إلى تلك الآراء. على أنه تجب الملاحظة إلى أنه بقدر ما كان المؤلف مجددا في الحياة العلمية والعلوم المفيدة بقدر ما كان محافظا بالنسبة للقوانين التي تسير المجتمع الإسلامي، فهو يرى أن تلك القوانين (الكتاب والسنة الخ) كافية لضمان حياة سعيدة لهذا المجتمع.
وفي هذا المضمار تدخل آراء ابن العنابي في السياسة. فقد ألح على ضرورة تمسك السلطان (ويسميه أحيانا الإمام وأحيانا الملك) بالتعاليم الدينية والأخلاقية. كما ألح على مبدأ المشورة وعدم الاستبداد بالرأي أو بالحكم. وبين أن صلاح السلطان يظهر في تقريب العلماء إليه، وهو لا يعني العلماء على الإطلاق، ولكنه يعني خاصة أولئك العلماء الذين تميزوا بالرأي والاجتهاد والاطلاع ومعرفة الدين ولذلك وصفهم بتلك الأوصاف التي أتينا عليها. فمجالس السلطان هي التي تنوره وتبصره بأفضل الطرق لنجاح جماعة المسلمين. أما الاستبداد والظلم والجور والانحراف عن التعاليم الدينية فقد قال إنها تؤدي إلى خراب الحكم وسقوط الدولة. وقد جعل العدل وقوة الجيش وصرف المال فيما يفيد الناس عامة أساسا للحكم الصالح. بالإضافة إلى أنه طالب بمزج الأهداف الدنيوية والدينية عند القيام بأي عمل في صالح الجميع، ومن ثمة ألح على ضرورة الانتصار لله وبالله، وضرورة التوبة من المعاصي. وهكذا تصبح الأخلاق والسياسة والدين أمورا متلازمة في نظر المؤلف، وهي بدون شك كذلك في نظر الدين الإسلامي.
ومن حقنا في النهاية أن نتساءل: لو أن حسين باشا أخذ بالنظام الذي دعا إليه ابن العنابي، فهل كان يواجه نفس المصر الذي لقيه على أيدي الفرنسيين؟ وهل كانت الحملة الفرنسية تنجح النجاح الذي حققته سنة ١٨٣٠؟ إن الوثائق تتحدث عن أن ابن العنابي قد تولى الإفتاء في بداية عهد حسين باشا وفي أخريات عهده أيضا. ونعرف من دراستنا للعهد الثاني في الجزائر أن مقام المفتي الحنفي كان بمثابة شيخ الإسلام في إسطانبول، ومعنى هذا أن نفوذه كان عظيما وآراءه كانت محل ثقة الجميع. ولكننا نعرف من جهة أخرى أن مكانة