ويقف المؤلف موقفا مبدئيا إلى جانب الدولة العثمانية، فأرومته، كما لاحظنا، تعود إلى آل عثمان. وهو مدين لهم بالوظائف الرسمية التي تقلدها على أيديهم، كما تقلدها والده وجداه وغيرهم من أفراد أسرته. ومن جهة أخرى كان يعتقد أن الفضل كل الفضل يعود إلى هذه الدولة في إنقاذ الإسلام من براثن التتار، وغارات الأروبيين طيلة قرون. وقد عاصر هو أحداثا كانت فيها هذه الدولة في صراع ضد نفسها من ناحية وضد الخطر الخارجي من ناحية أخرى. فرأى أن الحل يكمن في تجديد هذه الدولة وعودتها إلى ما كانت عليه من القوة والرهبة، أو يكون مصيرها مصير الدولة العباسية ومصر الأمم الأخرى التي انقرضت أو تهاوت. فانتصر لتحديث الجند باعتباره أساس الدولة. وكان في ذلك يؤيد أيضا سياسة محمد علي في نفس الاتجاه، رغم أنه لم يشر إليه بالاسم. ولعل في ذلك تعريضا بما كانت عليه الانكشارية في الجزائر من استبداد وصلف وأنانية وتخلف.
والموقف من تجديد الدولة العثمانية يقودنا إلى الحديث عن موقف المؤلف من قضية التجديد عامة. فقد رأيناه يقف إلى جانب التيار التجديدي في مختلف الميادين، وليس في الميدان العسكري وحده. وإذا اتبعنا قياسه فإن كل ما يفيد المسلمين في دنياهم ويجعلهم أعزة أقوياء يجب الأخذ به لأن الشريعة الإسلامية لا تمنعه بل تفرضه، والتهاون فيه يؤدي إلى الإثم والعار. وقد رأيناه ينادي بضرورة تعلم اللغات والعلوم الآلية والصناعية، وعلوم الطب والحساب، والعلوم العسكرية. ولا يرى في ذلك غضاضة أو مخالفة للشريعة. والتجديد يعدي كما أن التقليد يعدي. فإذا عرفنا أنه نادى بتقصير الثياب، والنظر في أمر العمامة والاكمام الطويلة، واستعمال السلاح الحديث، عرفنا أنه ينادي، ضمنيا، بتجديد المجتمع الإسلامي أيضا، لأنه لا يستطيع أن يتصور، وهو المفتي والمجرب، أن يتعلم المسلمون تلك اللغات والعلوم كلها ولا يتغيرون في أنفسهم وعقولهم ومذاهبهم في الحياة. ومن ثمة يبرز ابن العنابي مجددا ومجتهدا أيضا. فهو كرجل دين استعمل عقله بحرية ليصل إلى آرائه التي طرحها في كتابه، ولو أنه تزمت أو تجمد أو أصر على ضرورة التمسك بالتقاليد لما توصل