للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بضعة عشر رجلا، فتفرقنا في الناس ندعوهم إليه، فلم نلبث إلّا يسيرا حتى استجاب له أربعون ألفا، وأخذنا عليهم البيعة، وكنا أنزلناه في رستاق من رساتيق مرو، وأهله شيعة كلهم، فأحلوه في قلعة لا يبلغها الطير، في جبل حريز فلما اجتمع أمره وعدهم لليلة بعينها، فاجتمعوا إليه ونزل من القلعة إليهم، فبينا نحن عنده إذ سمع بكاء رجل واستغاثته، فقال لي: يا إبراهيم قم فانظر ما هذا البكاء. فأتيت الموضع فوقفت فيه فاستقربت البكاء حتى انتهيت إلى رجل حائك، قد أخذ منه رجل من أصحابنا ممن بايعنا لبدا، وهو متعلق به، فقلت: ما هذا وما شأنك؟.

فقال: أخذ صاحبكم هذا لبدي.

فقلت: اردد عليه لبده فقد سمع أبو جعفر بكاءه.

فقال لي الرجل: إنما خرجنا معكم لنكتسب وننتفع ونأخذ ما نحتاج إليه، فلم أزل أرفق به حتى أخذت منه اللبد ورددته إلى صاحبه، ورجعت إلى محمد بن القاسم فأخبرته بخبره وأني قد انتزعت منه اللبد ورددته على صاحبه، فقال: يا إبراهيم، أبمثل هذا يصر دين الله؟ ثم قال لنا: فرّقوا الناس عني حتى أرى رأيي.

فخرجنا إلى الناس فقلنا لهم: إن صورة الأمر قد أوجبت أن تتفرقوا في هذا الوقت، فتفرقوا.

ورحل محمد بن القاسم من وقته إلى الطالقان، وبينها وبين مرو أربعون فرسخا، فنزلها، وتفرقنا ندعو الناس فاجتمع عليه عالم، وجئنا إليه فقلنا له: إن أتممت على أمرك، وخرجت فنابذت القوم رجونا أن ينصرك الله، فإذا ظفرت اخترت حينئذ من ترضاه من جندك، وإن فعلت كما فعلت بمرو، أخذ عبد الله بن طاهر بعقبك، فأصلح من إسلامك إيّانا ونفسك إليه، أن تجلس في بيتك ويسعك ما يسع سائر أهل بيتك. فأتم عزمه وخرج في الناس.

وبلغ خبره عبد الله بن طاهر فوجه إليه رجلا يقال له: الحسين بن نوح، وكان صاحب شرطته، فلقيناه وقاتلناه فهزمناه هزيمة قبيحة، ولما اتصل خبره بعبد الله قامت قيامته فجرد قائدا من أصحابه يقال له نوح بن حبان بن جبلة، أو قال حبان بن نوح بن جبلة، فلقيناه فهزمناه أقبح من هزيمتنا للحسين بن نوح، وانحاز إلى بعض النواحي ولم يرجع إلى عبد الله بن طاهر، وكتب إليه يعتذر ويحلف أنه لا يرجع إلّا أن يظفر أو يقتل. فأمدّه عبد الله بن طاهر بجيش آخر ضخم، فسار

<<  <   >  >>