للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يؤدي إلى تضييع ما هو أولى منه، وهذه هي الرهبانية التي قال فيها النبي (من رغب عن سنتي فليس مني). (١)

الثاني: أن لا يكون في الدخول في العمل مشقة ولا حرج، ولكنه عند الدوام عليه تلحق بسببه المشقة والحرج، أو تضييع ما هو أوكد. (٢)

ثالثاً- أن يتمكن من المداومة على العمل من غير مشقة، وإليه الإشارة من النبي في قوله: (وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه) (٣) وذلك بعد قوله (عليكم من العمل ما تطيقون) وفيه دلالة على اعتبار المداومة على العمل في الإطاقة المعتبرة شرعاً، وأن من لم يتمكن من المداومة لم يكن مطيقاً، كما تقدم التنبيه عليه في الضابط السابق، وعليه دلت أقوال أهل العلم في سياق شرحهم لقوله : (عليكم من العمل ما تطيقون).

قال القاضي عياض في معناه «أي ما لكم بالمداومة عليه طاقة». (٤)

وقال النووي: «أي تطيقون الدوام عليه بلا ضرر». (٥)

وقال ابن حجر: «أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه» (٦)

وبناءً على هذا فكل عمل لم يتمكن العامل من المداومة عليه أو تمكن من المداومة عليه مع مشقة وكلفة، خرج عن كونه مطاقاً، ميسراً في حقه، وبالتالي قل انتفاعه به. وذلك لأن المداومة مع التيسير مقصودان للشارع في العبادة، فإذا أُخِلَّ بهما أو بأحدهما، تخلف من الأجر والثواب المترتب على تحقيقهما، بقدر ما تخلف من امتثالهما. وهذا بالنسبة لما تشرع المداومة عليه من الأعمال، دون ما


(١) تقدم تخريجه ص: ٩٨.
(٢) انظر الاعتصام للشاطبي ١/ ٣٠٠.
(٣) تقدم تخريجه ص: ١١٦.
(٤) إكمال المعلم ٣/ ١٤٧.
(٥) شرح صحيح مسلم ٦/ ٧٠ - ٧١.
(٦) فتح الباري ١/ ١٠٢.

<<  <   >  >>