للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولى أنه لم يرد منهم تحمل ما لا طاقة لهم به في باب النوافل. فتقرر أن تكلف ذلك ليس من الدين لا على سبيل الوجوب أو النفل.

ومعنى تحمل ما لا يطاق: هو تحمل ما يثقل أداؤه ويشق، وإن كان مطاقاً مع التكلف، وهذا على الصحيح من أقوال أهل العلم في معناه.

قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾. (١) يعني «ربنا لا تكلفنا من الأعمال، ما لا نطيق القيام به، لثقل حمله علينا». (٢)

وقال ابن كثير في معنى الآية: «أي لا تكلفنا من الأعمال الشاقة، وإن أطقناها». (٣)

وقال ابن الأنباري (٤): «أي لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه، وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه .. فخاطب العرب على حسب ما تعقل، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أطيق النظر إليك وهو مطيق لذلك، لكنه يثقل عليه». (٥)

وعلى هذا يدخل كل ما يشق من الأعمال، في حكم ما لا طاقة به، وفي هذا رد على بعض المتنطعة، الذين قد يتكلفون من الأعمال ما يثقل عليهم، بدعوى أنهم مطيقون لفعله.

إذا تقرر هذا فتكلف ما لا يطاق من الأعمال يكون عن طريق:

الأول: أن يكون العمل في نفسه مما لا يطاق، أو مما فيه حرج ومشقة فادحة، أو


(١) سورة البقرة (٢٨٦).
(٢) تفسير الطبري ٣/ ١٥٨.
(٣) تفسير ابن كثير ١/ ٧٣٨.
(٤) هو أبو بكر، محمد بن أبي محمد القاسم بن محمد بن بشار، الأنباري، النحوي، صاحب التصانيف في النحو والأدب، كان علامة وقته في الآداب، وأكثر الناس حفظاً، وكان صدوقاً، ثقة، ديناً، خيِّراً من أهل السنة، ولد سنة ٢٧١ هـ، وتوفي سنة ٣٢٨ هـ. وفيات الأعيان لابن خلكان ٤/ ٣٤١ - ٣٤٢.
(٥) ذكره ابن أبي العز في شرح الطحاوية ص ٦٥٤.

<<  <   >  >>