للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا، وسقوا، وزرعوا، وأصابت منه طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وعَلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». (١)

قال ابن حجر في شرحه: «وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها». (٢)

وفي الحديث دلالة ظاهرة على تفضيل الأعمال المتعدية على القاصرة وذلك من جهتين:

الأولى: تفضيل النوعين الأولين من الأراضي بتعدي نفعهما على الثالث الذي لم ينتفع به.

الثانية: تفضيل النوع الأول، بزيادة نفعه على الثاني، إذ الأول ممسك للماء منبت للعشب، والثاني ممسك للماء غير منبت للعشب، فمثل النوع الأول مثل الفقهاء العاملين المعلمين لغيرهم، ومثل النوع الثاني مثل الجامعين للعلم من غير فقه ولا فهم له، لكنهم أدوه إلى غيرهم، ومثل النوع الثالث مثل من لم يحملوا العمل ولم يحفظوه فلم ينتفعوا في أنفسهم ولم ينفعوا الناس بنقله ولا بتعليمه.

ومما يتجلى به فضل نفع الناس في العلم، وعظم أجره، ما جاء في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن النبي أنه قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا». (٣)


(١) صحيح البخاري مع الفتح (١/ ١٧٥) ح (٧٩) وصحيح مسلم (٤/ ١٧٨٧) ح (٢٢٨٢).
(٢) فتح الباري (١/ ١٧٧).
(٣) صحيح مسلم (٤/ ٢٠٦٠) ح: (٢٦٧٤).

<<  <   >  >>