للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصله، فأقعدني في أصله، وجعل يديه على الميل، وهو قائم قد حنا عليَّ، وعليه كساء قد تجلل به، يظلني من المطر، حتى تمنيت أني لم أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر» (١).

وكان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناما لأجر ذلك. منهم عامر بن عبد قيس، وعمرو بن عتبة بن فرقد مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما، وكذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة والأذان (٢).

وكان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد وغيره، فيشترط عليهم أن يخدمهم، فكان إذا رأى رجلا يريد أن يغسل ثوبه قال له: هذا من شرطي فيغسله، وإذا رأى من يريد أن يغسل رأسه قال له: هذا من شرطي فيغسله، فلما مات نظروا في يده فإذا فيها مكتوب من أهل الجنة، فنظروا إليها فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم».

وهذا مما يدل على تقديمهم تلك الأعمال على العبادات القاصرة، وذلك أن اشتغالهم بخدمة الناس يأخذ من أوقاتهم الشيء الكثير، ولو علموا أن العبادات القاصرة أنفع لهم، ما كانوا ليشتغلوا بغيرها عنها، مع ما هم عليه من تمام الفقه، وشدة الحرص على الخير، واغتنام الفرص.

كما دل على هذا الأمر أقوال العلماء المحققين، فقرروه في كتبهم ووضحوه.

يقول الإمام ابن الجوزي واصفا حاله: «ما زالت نفسي تنازعني بما يوجبه مجلس


(١) صفة الصفوة لابن الجوزي (٤/ ٣٨٢).
(٢) انظر الزهد لعبد الله بن المبارك (٢/ ٦٥٩)، وسير أعلام النبلاء (٤/ ١٧)، لطائف المعارف ص (٤١٣).

<<  <   >  >>