للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أوسع ما وقفت عليه من التحقيقات لهذه المسألة وأدقها، ما ذكره الإمام الحافظ ابن رجب في شرحه لحديث ابن مسعود في فتح الباري، وملخص ما ذكره في الجمع بين النصوص: أن إجابة النبي في حديث أبي هريرة بأن أفضل العمل الإيمان بالله ورسوله، هذا وجه ظاهر لا إشكال فيه؛ فإن أفضل العمل ما افترضه الله على عباده، والإيمان بالله ورسوله أفضل الأعمال مطلقا. وأما إجابته في حديث ابن مسعود بأن أفضل العمل الصلاة على وقتها؛ فلأن الصلاة أفضل أعمال الجوارح، فتارة يذكر النبي الإيمان بالله ورسوله؛ لأنه أفضل أعمال القلوب، وتارة يذكر الصلاة؛ لأنها أفضل أعمال الجوارح.

وحيث أجاب بأحدهما فمقصوده التمثيل بأفضل مباني الإسلام، ومراده في كلا الجوابين سائر المباني، فكأنه قال: الشهادتان وتوابعهما، والصلاة وتوابعها، وهو بقية المباني الخمس. ثم ذكره أن ذكر النبي للجهاد بعد الإيمان في حديث أبي هريرة، وعطفه على الإيمان في حديث أبي ذر يحتمل معنيين:

أحدهما: أن ذلك حيث كان الجهاد فرض عين، فكان أفضل الأعمال بعد الإيمان، فلما نزلت الرخصة، وصار الجهاد فرض كفاية تأخر عن فرض الأعيان.

الثاني: وهو أشبه، أن التعبير بالإيمان بالله ورسوله، يندرج تحته بقية أركان الإسلام، على ما سبق تقريره فيكون الجهاد متأخرا عنها في الفضل.

وأجاب عن تقديم الجهاد على الحج في حديث أبي هريرة بأن ذلك يحتمل أربعة وجوه:

الأول: كان ذلك في زمان كان الجهاد فيه فرض عين، فكان مقدما على الحج.

الثاني: أنه قد فُهم دخول الحج في ذكر الإيمان بالله ورسوله؛ لأن ذلك يتبعه

<<  <   >  >>