للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا التوجيه مع التوجيه السابق له من أقوى ما ذكر في الجمع بين النصوص، ويمكن أن يستخلص منهما أن هناك ثلاثة طرق للجمع بين النصوص لا يكاد يستشكل شيء بعدها في هذا الباب.

الطريق الأول: حمل الألفاظ المجملة على ما يفسرها من النصوص الأخرى بما يتناسب مع أصول الشرع وقواعد الدين، كإجابة النبي وقد سئل عن أفضل العمل في حديث أبي هريرة بقوله: «إيمان بالله ورسوله». وفي حديث ابن مسعود بقوله: «الصلاة على وقتها» فيحمل هذا على إرادة أركان الإسلام كلها على سبيل الإشارة إليها بذكر أعظمها على ما جرت بذلك طريقة النصوص كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين﴾ (١) وقوله تعالى في الآية الأخرى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ (٢) فالمقصود هنا هو التزام الكفار بسائر شعائر الدين، والتعبير بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة هو إشارة لما عداهما من باقي المباني والشعائر كما فهم ذلك السلف، قال ابن كثير في تفسير الآية الثانية: «ولهذا اعتمد الصديق في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها، حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال، وهو الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته، ونبه بأعلاها على أدناها». (٣)

وكذلك قول النبي : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله؛ فمن قالها فقد عصم مني ماله، ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله». (٤)

فقد فهم أبو بكر الصديق دخول الزكاة في حصول العصمة المذكورة في


(١) التوبة: (١١).
(٢) التوبة: (٥).
(٣) تفسير ابن كثير (٤/ ١١١).
(٤) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة الصحيح مع الفتح (٣/ ٢٦٢) ح: (١٣٩٩)، ومسلم (١/ ٥) ح: (٢٠).

<<  <   >  >>