للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبقوله : «إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام». (١)

وليس في الحديثين ما يدل على تفضيل ابتداء السلام على رده.

أما الحديث الأول ففيه تفضيل المبادر بالسلام من المتهاجرين على الآخر، ووجه التفضيل هنا لكونه هو المبادر للصلح، ولا شك أن المبادر للصلح أفضل من المعرض، ويظهر من هذا أن تفضيل المبتدئ بالسلام هنا ليس لمرد إلقائه السلام فقط، بل لمعنى آخر كامن في مبادرته بالسلام، وهو الشروع في الصلح، فلا حجة في هذا عندئذ على المسألة، هذا مع مراعاة أن السلام هنا قد يكون واجبا، وهذا بناء على ما قرره بعض أهل العلم من أن الهجر لا يزول إلا بالسلام، وقال آخرون لا يزول إلا بالسلام والكلام.

روى ابن وهب عن مالك أنه قال: «إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة». (٢)

وقال أبو بكر الأثرم: «قلت لأحمد بن حنبل: إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه؟ فقال: ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره، فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه، فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار». (٣)

وقال ابن مفلح: «والهجر المحرم يزول بالسلام، ذكره في الرعاية والمستوعب». (٤)

فالسلام مشترط على كل حال في زوال الهجر المحرم فدل على وجوبه، وبهذا يتبين أن السلام الممدوح في الحديث واجب، فلا حجة فيه لتفضيل السلام


(١) أخرجه أبو داود (٥/ ٣٨٠)، والترمذي (٥/ ٢٦٩٤)، وقال: «حديث حسن «. وقال الألباني: «سنده صحيح «. انظر حاشية مشكاة المصابيح (٣/ ١٣١٨)، وصحيح الكلم الطيب (ص: ١٠٥).
(٢) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (٦/ ١٢٧).
(٣) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (٦/ ١٢٧١٢٨).
(٤) الآداب الشرعية لابن مفلح (١/ ٢٤٤).

<<  <   >  >>