وأما الحديث الثاني ففي فضل إلقاء السلام، وليس فيه ما يدل على أنه أفضل من الرد. كما أنه لا يفهم من لفظ الحديث أن السلام أفضل من بقية الواجبات، وأن المسلم هو أولى الناس بالله على الإطلاق، وأنه أفضل ممن تقرب إلى الله بسائر الواجبات، بل من المقرر في الشرع أن الرجل لا يمدح بالنفل إلا بعد أداء الواجب فيكون هذا الثناء في حق من أدى واجب الرد عند السلام عليه، وبادر المسلمين بالسلام فهو أولى الناس بالله.
ومما تتجلى به صورة هذه المسألة في أن ابتداء السلام ليس بأفضل من رده أن هذا يعرف عند تزاحم الأمرين، وذلك في حق رجل مر في طريق فقابله رجلان يخالفانه في السير، أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، فسلم عليه أحدهما ولم يسلم عليه الآخر فما الأفضل في حقه، الرد على من سلم عليه، أو مبادرة الآخر بالسلام، مع أنه لا يمكن الجمع بين الأمرين لضيق الوقت عن ذلك؟ كأن يكون مستقلا سيارة أو غيرها من وسائل النقل السريعة.
فإن قلنا بتفضيل الابتداء على الرد، قلنا: الأولى في حقه فعل الأفضل، ونحن مع هذا ندرك أنه لا يسلم من الإثم بترك الواجب وهذا تناقض.
وإن قلنا بتفضيل الرد زال هذا التعارض، وانتظم في اشتغاله بالرد تحقيق الواجب، وفعل الأفضل، وهو معذور في ترك النفل؛ لاشتغاله بالواجب كما قال أهل العلم:«من شغله الفرض عن النفل فهو معذور». (١)
وأما مسألة إبراء المعسر وإنظاره، فلا يُسَلَّم أن الإبراء نفل محض، بل قد تضمن الإبراء معنى الواجب وزيادة، فَفَضُل من هذا الوجه، وذلك أنه قد تحقق في الإبراء مقصود الإنظار وهو: رفع الحرج بالسداد في ذلك الوقت وهذا