ولهذه المسألة نظائر كثيرة في الشرع، كمسألة الإنفاق على الأهل بالمعروف واجب، والإحسان في ذلك والتوسعة في النفقة من غير إسراف أفضل، لتضمنه الواجب وزيادة، وكالإسباغ في الوضوء أفضل من غسل الأعضاء من غير إسباغ، وذلك لاشتمال الإسباغ على الغسل الواجب وزيادة، وكذلك الحلق في التحلل من الإحرام أفضل من التقصير لهذا المعنى، إلى غير ذلك من المسائل التي يتضمن نفلها واجبها وزيادة.
وكذلك المسألتان الأخيرتان، وهي مسألة التطهر قبل الوقت، والختان قبل البلوغ، قد تحقق بهما تأدية الواجب، وإنما حصل التنفل فيهما في المبادرة إلى الواجب قبل حلول وقته، يدل على هذا ارتفاع الحدث بالتطهر قبل دخول الوقت، وسقوط الوجوب في الاختتان بفعله قبل البلوغ، وبالتالي فإن دعوى أن كل واحد من هذين العملين نفل محض لا يسلم، وإنما هما في الحقيقة تأدية للواجب في كل منهما لكن على سبيل التعجل وبهذا حصل التفضيل.
ومثل هاتين المسألتين سائر الأعمال التي يرغب فيها إلى المبادرة إلى العمل قبل وقت الوجوب، كالسعي إلى الجمعة قبل وقت الوجوب من أول النهار، فإنه أفضل عند كثير من أهل العلم، (١) وكذلك قضاء الدين قبل حلول أجله أفضل لما فيه من براءة الذمة، وغير ذلك من المسائل.
وبهذا يتبين أنه ليس هناك ما يستثنى من قاعدة تفضيل الواجبات على النوافل، بل القاعدة على أصلها من غير استثناء على ما دلت عليه النصوص وقواعد الشريعة، وما هو مقرر عند سلف الأمة، ومن جاء بعدهم من المحققين الذين استفاضت أقوالهم بذكر هذه القاعدة، وتأصيلها في كتبهم، من غير تقييد أو تخصيص.