للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اجتهد بعض العلماء المحققين في استنباط الحكمة من تفضيل الواجبات على النوافل فذكروا في ذلك عدة أوجه:

١ - أن الأمر بالفرائض جازم بخلاف النوافل.

٢ - أن الفرائض يقع بتركها المعاقبة بخلاف النوافل.

٣ - أن الفرض كالأصل والأس، والنفل كالفرع والبناء.

٤ - أن في الإتيان بالفرائض امتثال الأمر، واحترام الآمر، وإظهار عظمة الربوبية، وذل العبودية، وهذه المعاني وإن تحققت في النوافل لكنها ليس بمقدار تحققها في الفرائض، وذلك لأن الامتثال في الفرائض على سبيل الإلزام، وفي النوافل على سبيل التخيير.

٥ - أن الذي يؤدي الفرض قد يفعله خوفا من العقوبة، ومؤدي النفل لا يفعله إلا إيثارا للخدمة. (١)

وإذا تقرر تفضيل الفرائض على النوافل فينبغي أن يعلم أن الواجبات في نفسها تتفاضل، فهي ليست على درجة واحدة.

ففروض الأعيان أفضل من فروض الكفايات؛ لتعين وجوب فروض الأعيان على كل أحد، ولحصول الإثم بتركها لا محالة، بخلاف فروض الكفايات، فوجوبها كفائي على الأمة قاطبة، لا يلحق الأفراد إثم بتركها ما دام في الأمة من يقوم بها.

قال الإمام ابن رجب في توجيه تفضيل النبي للجهاد في حديث أبي هريرة، وذكره له بعد الإيمان بالله: «إنما كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين فكان حينئذ أفضل الأعمال بعد الإيمان وقرينا له، فلما نزلت الرخصة، وصار الجهاد فرض كفاية تأخر عن فرض الأعيان». (٢)

وقال أيضا: «وقد يقال: حديث أبي هريرة دل أن جنس الجهاد أشرف من


(١) انظر فتح الباري لابن حجر (١١/ ٣٤٣).
(٢) فتح الباري لابن رجب (٤/ ٢١٣).

<<  <   >  >>