للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جنس الحج، فإن عرض للحج وصف يمتاز به على الجهاد وهو كونه فرض عين كان ذلك الحج المخصوص أفضل من الجهاد، وإلا فالجهاد أفضل منه». (١)

وهذا مما يدل على تفضيل فروض الأعيان على فروض الكفايات عند أهل العلم والتحقيق.

وكلام العلماء في هذا مشهور ومواضع بسطه في كتب الأصول والفقه.

وفروض الأعيان في نفسها تتفاضل من حيث تعلقها بحقوق الله، وحقوق المخلوقين، فتقدم في الفضل حقوق الله على حقوق الخلق، كما أن بين أفراد كل قسم من هذين القسمين تفاضل فيما بينها فليست حقوق الله على درجة واحدة في الفضل، وكذا حقوق المخلوقين.

فدل على تقدم حقوق الخالق على حقوق المخلوقين عمومُ النصوص كقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ (٢) وقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ … ﴾ (٣) وقوله تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ (٤)

فقدم الله حقه على حقوق المخلوقين، والآيات في هذا كثيرة جدا.

ومن السنة ما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن امرأة جاءت للنبي فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء». (٥)

فأخبر أن حق الله أحق بالوفاء من حق المخلوق.

وجاء عن سلمان أنه قال لأبي الدرداء : «إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك


(١) فتح الباري لابن رجب (٤/ ٢١٧).
(٢) سورة الإسراء: (٢٣).
(٣) سورة النساء: (٣٦).
(٤) سورة لقمان: (١٤).
(٥) أخرجه البخاري من الصحيح مع الفتح (٤/ ٦٤) ح (١٨٥٢).

<<  <   >  >>