للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهكذا، وهكذا»، يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك. (١)

قال القاضي عياض في شرح الحديث: «وفي قوله: «فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك فلذي قرابتك» فيه حجة في ترتيب الحقوق، وتقديم الآكد فالآكد، وأن الواجبات تتأكد في نفسها، لأن حق النفس واجب، وحق الأهل ومن تلزمه النفقة واجب، لكنه يقدم حق النفس عليها». (٢)

وقال النووي: «في هذا الحديث فوائد منها الإبتداء في النفقة بالمذكور على هذا الترتيب، ومنها أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد». (٣)

فتقرر بهذا تفاضل الواجبات فيما بينها فيقدم منها الأوكد فالأوكد بحسب قوة الوجوب، ومرجع هذا التفاضل هنا هو قوة الوجوب، فكلما كان العمل أوجب كلما كان أفضل. (٤)

كما أن التفاضل بين الواجبات والنوافل، يرجع إلى (قوة المشروعية) فتكون هذه المسألة فرعا عن تلك، بناء على أن التفاضل باعتبار (قوة الوجوب) فرع عن التفاضل باعتبار قوة المشروعية.

ولهذا ناسب تقرير مسألة التفاضل بين الواجبات، بعد تقرير التفاضل بين الواجبات والمستحبات، استكمالا لموضوع البحث، وتنبيها على هذا المعنى.

والمقصود هنا بيان أن المنهج الصحيح في التعبد يرجع إلى هذا التأصيل، وهو أن يكون التقرب إلى الله بالواجبات أولا بدأً بالأوكد فالأوكد، ثم بالنوافل أخذا بالأهم فالأهم، فبذلك يحصل السبق إلى الفضل عند الله، وتتحقق المتابعة للنبي في العبادة، وعلى قدر التفريط في هذا المنهج يحصل الخلل في العبادة


(١) أخرجه مسلم (١/ ٦٩٢) ح: (٩٩٧).
(٢) إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (٣/ ٥١٤٥١٥).
(٣) شرح صحيح مسلم (٧/ ٨٣).
(٤) انظر مجموع الفتاوى (١١/ ٣٨١).

<<  <   >  >>