يقدر إلا على بعضها أو أحدها، فحكمه حكم من تعارض عنده العملان، على ما سيأتي بيانه في الصورة الثانية:
الصورة الثانية: أن يتعارض العمل المرغب فيه، ويضيق وقته عن عمل آخر، مثل الذكر طرفي النهار، وعلى وجه الخصوص ما رُغب فيه قبل الشروق والغروب، فإن الذكر يتعارض مع أعمال اللسان الأخرى كقراءة، ودعاء، وتعليم، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر باللسان، كما أن الانشغال بغيره من أعمال الجوارح، من اتباع جنازة، وعيادة مريض، وقضاء حوائج المسلمين مظنة النقص من كماله لانشغال القلب بغيره، وإن كان اللسان ذاكراً. وكذا الدعاء في ساعة الجمعة، خصوصاً عند من يرى أنها ما بين جلوس الإمام على المنبر حتى ينصرف، فالقول فيها وفي وقتها، كالقول في الذكر ووقته بل إن وقتها أضيق كما لا يخفى.
ففي مثل هذه الصورة لابد من الترجيح بين الأعمال، والاشتغال بما هو أفضل. ثم ينظر هل يقدم العمل المرغب فيه في هذا الوقت، كالذكر، والدعاء، أم يقدم الأفضل باعتبار الجنس كالقراءة مثلاً؟.
قال الحافظ ابن رجب:«من أصحابنا من رجح التلاوة على التسبيح ونحوه بعد الفجر والعصر، وسئل الأوزاعي عن ذلك فقال كان هديهم ذكر الله فإن قرأ فحسن، وظاهر هذا أن الذكر في هذا الوقت أفضل من التلاوة، وكذا قال إسحاق في التسبيح عقيب المكتوبات مائة مرة إنه أفضل من التلاوة حينئذ». (١)
قلت: وهذا هو الظاهر من السنة، فإن المنقول عن النبي ﷺ من الأذكار في طرفي النهار، مما كان يقوله ويرغب فيه شيء كثير، وهذا بلا شك يستغرق وقتاً من أول النهار وآخره، والانشغال بالقراءة أو غيرها يقطع عنه.