في ربعي الآخر سنة ست وستين، واستقر في تدبير المملكة في يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى منها، وبسط يده في قتل المفسدين والمتغلبين وقتل غالب من ولي الوزارة واستقرت القضاة نواباً عنه، وكذلك الدعاة، ولقب (كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين) وذلك في شعبان سنة سبع. ثم قبض على ابن أبي كدينة في جمادى الآخرة سنة ست وستين، واعتقله بدمياط ثم أرسل إليه من يقتله.
قال ابن ميسر في تاريخه: كان ابن أبي كدينة قاسي القلب جباراً. ويقال إن السياف لما دخل عيه ليقتله، ضربه بسيف كليل. فضربه عدة ضربات. ويقال: اتفق أنها كانت بعدد ولاياته.
الحسن بن محمد بن محمد بن علي الغُوري الأصل البغدادي الدار، نزيل القاهرة، الحنفي، الملقب حسام الدين من المائة الثامنة. ولد ببغداد وتفقه بها وولي بها الحسبة، ثم القضاء. وسمع الحديث بها من الرشيد بن أبي القاسم، ومحمد بن عبد المحسن الدواليبي وغيرهما، ثم قدم صحبة الوزير نجم الدين محمود بن علي بن سرور. في صفر سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، بعد وقوع الفتنة ببغداد، فصادف أن الملك الناصر كان عزل ابن عبد الحق فقرر حسام الدين المذكور في قضاء الحنفية عوضاً عنه، وذلك في جمادى الآخرة. فباشر بصرامة ومهابة، لكنه كان كثير المزاح والهزل، السخف وبذاءة اللسان، مع عدم معرفة بالشروط والسجلات، وعدم مشاركة في الفقه وغيره. وعي في لسانه، واجتراء على رفقته، وكان يستطيل محاورة السلطان له بلسان الترك فكان إذا تكلم معه بالعربي، يقبض لسانه، وإذا تكلم معه بالتركي بالغ في الحطّ عليهم.
واتفق أنه كتب إلى ناظر الدولة ورقة يعاتبه على تأخير معلومه، فوقع له فيها من السخف والبذاء ما يستحي من إعادته. ثم لما حضر بدار العدل شرع يذم الكتبة ويذكر عنهم قبائح، ويصرح، ولا يكنى ولا يرمز. فغضب السلطان من
ذلك، وأنكر على وزير بغدادي الذي جلبه إليهم، فبالغ الوزير في تعنيفه، لما عرف تغير السلطان منه.