للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الصلاة تُنْتَظر ولا تَنْتَظِر. فبحث القاضي عنه فأثنوا عَلَيْهِ خيراً، فَقَرَّبَهُ وأدناه وصيره من شهوده. وَكَانَ القاضي يكثر الصلاة فِي المسجد المجاور لَهُ، وربما أمَّ هو بنفسه.

وقال إبراهيم بن أحمد الأندلسي: كَانَ أبو عبيد فِي دار المدائني وبجواره كاتب يسمى طاهر بن علي، وَكَانَ كثير السخف والمجون والتخليط، فكان إِذَا صُلِّيت العشاء، نَصَب الملاهي واستمر فِي الشرب والقصف إِلَى السَّحَر. فشغل سرّ القاضي ومنعه من اشتغاله بصلاة أَوْ بقراءة أَوْ مطالعة. فراسله وهدده، فأجاب قاصده بقوله وَمَا عِلْم القاضي بذلك. شهد عنده شاهدان بهذا؟ أنا أسمع كل مَا سمعه القاضي. فأظن أن ذَلِكَ عنده، فكنت أحتمل. وأما الآن فأنا أشد إنكاراً لهذا منه. فعاد قاصده إِلَيْهِ بذلك. فقال: اطلبْ لي داراً غير هَذِهِ، فتحول عنها.

وقال ابن زولاق: حضر الأمر تكين مرة والقاضي أبو عبيد وصحبتهما محمد بن عَلَى الماذَرَائي فِي مهم عند أبي زنبور. فلما فرغوا صاح أبو زنبور: بغلة القاضي. فجيء بِهَا، فذهب ليركب فلم تصل رجله للركاب فطلب كرسي البواب، فطلع فوقه

فركب، وأبو زنبور يسوي عَلَيْهِ ثيابه إِلَى أن توجه، وَلَمْ يصنع أبو زنبور ذَلِكَ بمحمد ابن علي الماذَرَائي ولا بأمير البلد. وَكَانَ محمد بن علي هو أمير البلد فِي الحقيقة.

وقال أبو بكر ابن الحداد: دخل القاضي أبو عبيد مصر، فما أعجبني منظره، فبينا نحن عند أبي القاسم بشر بن نصر الفقيه، غلام عوف، إذ دخل منصور بن إسماعيل الفقيه فقال: كنت عند القاضي، فقلت لَهُ: كَيْفَ رأيت؟ قال: يَا أبا بكر، رأيت رجلاً عالماً بالقرآن، والحديث، والاختلاف، ووجوه المناظرة، عالماً باللغة والعربية عاقلاً، ورعا متمكناً. قال: فقلت لَهُ: هَذَا يحيى بن أكثم. قال: قلت الَّذِي عندي فِيهِ. قال ابن الحداد: ثُمَّ دخلت عَلَى أبي عبيد بعد ذَلِكَ وخالطته، فإذا منصور قَدْ قصر فِي صفته.

وأفرد أبو سعد ابن السمعاني فِي الذيل فِي ترجمة إبراهيم بن علي، بسنده إِلَى أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني، أخبرنا محمد بن جعفر الساحلي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا أبو الميمون محمد بن أحمد بن مطرف، حدثنا أبو بكر ابن الحداد قال: كنت فِي مجلس أبي عبيد القاضي بمصر، إذ أقبل خادم حسن الصورة، جميل الهيئة، طيب الرائحة مسرعاً، فوقف عَلَى رأسه، وطرح فِي حجره رقعة ثُمَّ أنشأ يقول:

أنكرت حبي وأيُّ شيء ... أبين من ذِلّة المُحِبِّ

<<  <   >  >>