ومن جملة من كتب أبو الذكر الَّذِي ولي القضاء بعد أبي عبيد بن حربويه وعبد الرحمن بن إسحاق بن معمر الَّذِي ولي القضاء أيضاً، وأسجل أبو عثمان ابن حماد بِتَقْسِيقِه وكتب بذلك عدة نسخ، وأنفذ واحدة منها إِلَى العراق، وخلد نسخة منها بديوان الحكم، وأودع بقية النسخ عند أعيان المصريين.
واستقر محمد بن بدر فِي منزله فبالغوا فِي أمره، حَتَّى قال قائل: أَيُّها القاضي أَلا تُسلّم مَا فِي يد محمد بن بدر من المال لمواليه وتسألهم عتقه وأن يدفعوا لَهُ بغلاً وروايةً يستقى عَلَيْهَا الماء ليتكسب بذلك؟ فبلغ ذَلِكَ أبا هاشم المقدسي الَّذِي ولي القضاء أيضاً بعد ذَلِكَ، فأرسل إِلَى محمد بن بدر ليلاً فسأله عن حاله فحدثه بتعصبهم عَلَيْهِ، فركب معه إِلَى الأمير تكين وَكَانَ خاصّاً بِهِ، فسأله مساعدته وعرفه أنه مظلوم. فأرسل تكين إِلَى أبي عثمان يطلب منه المحضر ونُسَخه، فأرسل إِلَيْهِ بعضاً وأخفى بعضاً. فأطلق أبو هاشم لسانه فِي أبي عثمان.
ولزم محمد بن بدر باب أبي هاشم وصار يصانع الشهود الذين شهدوا عَلَيْهِ، ويتقاضى أشغالهم ويوفيهم حقوقهم إِلَى أن حضر عبد الله بن زَبْر إِلَى مصر قاضياً، فدخل إِلَيْهِ محمد بن بدر وعرفه حاله فوعده بالنصر، وساعده الطحاوي والحسين بن محمد المعروف بمأمون فخلا بهما ابن زَبر، وسألهما عن محمد بن بدر فقالا فِيهِ قولاً جميلاً. ثُمَّ حضر أبو بكر ابن الحداد فسأله عنه فأثنى عَلَيْهِ. فَعَدَّلَهُ ابن زَبر وأحضر مكتوباً شهد فِيهِ محمد بن بدر وأودى بشهادته عنده فقبله مع شاهد آخر، فأهدى محمد بن بدر لابن زَبر بسبب ذَلِكَ ألف دينار، قاله أبو عمر الكندي.
وقال ابن زولاق: كَانَ محمد بن بدر حسن الهيئة والمركوب والملبوس والمسكن. فلما صرف ابن زَبر وعاد أبو عثمان لَمْ يقبله. فلما عاد ابن زَبر قَبِله. ثُمَّ وليها أبو هاشم فاستكتبه. ثُمَّ ولي ابن قتيبة فقام محمد بن بدر بأمره. فكتب ابن قتيبة إِلَى محمد بن الحسن ابن أبي الشوارب قاضي القضاة وَكَانَ ابن قتيبة خليفته يذكر لَهُ محمد بن بدر ويثني عَلَيْهِ. فكتب ابن أبي الشوارب إِلَى محمد بن بدر بعهد القضاء بعد ابن قتيبة. فورد عَلَيْهِ كتاب العهد وَلَيْسَ عنده علم من ذَلِكَ. فتوقف الماذرائي عن نفاذ عهده ثُمَّ أمضاه. فحضر إِلَى المسجد وحضر مجلسه جماعة من شهود أبي عبيد وفيهم