من شهد فِي المحضر المكتتب عَلَيْهِ. وحضر عنده عفان البزار وهو من وجوه المصريين فأشار عَلَيْهِ بتعديل جماعة كانوا تأخروا عنه ففعل.
واستقامت أموره، وباشر مباشرة حسنة، فأعطى القضاء حقه، وَلَمْ يتهاون بشيء من الأمور حتى إنه ابتاع فِي ولايته للأيتام رباعاً بسبعة عشر ألف دينار، وَكَانَ يجلس يوم الجمعة بالغداة فيحضر إِلَيْهِ الأيتام مع أمهاتهم ومن يكفلهم وأمناؤهم فيشاهد أحوالهم ويسألهم عما غاب عنه، ويقضي شهواتهم، وسار عَلَى طريقة الاحتمال والتجاوز، فلم يظهر عَلَى أحد ممن شهد عَلَيْهِ حقداً ولا مجازاة عَلَى الإِساءة، وواصل الإحسان للشهود الَّذِين تأخروا عنه يقضي حقوقهم، ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم.
فلما دخل الإِخشيد أميراً تلقاه محمد بن بدر فِي جمع كبير من الشهود ولبس يومئذ السواد، وَلَمْ يكن لبسه قبل ذَلِكَ. فأعجب الإِخشيد بذلك، وأثنى أهل البلد عَلَى سيرته عند الإِخشيد، ودخل ذاك الوقت الوزير أبو الفضل ابن حِنزابة مصر، فخرج إِلَيْهِ محمد بن بدر فتلقاه وقضى حقه، ودخل عَلَيْهِ مرة ومحمد بن علي الماذرائي عنده مقبوضاً عَلَيْهِ فِي المصادرة فقال الوزير: هذا إسماعيل بن بيان وكيل جارية محمد بن علي فمهما جاءك فِيهِ فامضه. فقال حَتَّى تثبت وكالته عندي بشاهدين عَلَيْهَا. فقال لَهُ: أنا أقول لَكَ هو وكيل وتقول لي حَتَّى تثبت عندي! وخبرك عندي بالتفصيل وَلَيْسَ هَذَا موضعك، وإنما تريد أن يشيع هَذَا القول أقيموه فأُقيم واعتقل ساعة فِي داره، ثُمَّ خوطب فِيهِ فأطلق، ثُمَّ أرسل إِلَيْهِ من تريد من الشهود؟ قال من شهودي الذين أقبلهم ففعل الوزير ذَلِكَ، وعظم محمد بن بدر فِي عينه وحسن موقع فعله عنده.
وكان ابن الحداد قَدْ تسلم من محمد بن موسى السرخسي لمحمد بن بدر، فلما ولي ابن بدر احتاط بنفسه وَلَمْ يكل إِلَى ابن الحداد شيئاً، فانقبض عنه، فلم يزل محمد ابن بدر يلي الحكم إِلَى شعبان سنة أربع وعشرين، فوردت ولاية عبد الله بن زبر عَلَى يد عبد الرحمن بن إسحاق ويحيى بن الحسين بن الأشعث فتسلما لَهُ من محمد بن بدر، فكانت ولايته سنتين.
ثُمَّ ولي مرة أخرى فِي ذي الحجة سنة سبع وعشرين، فركب إِلَيْهِ الشهود الَّذِين تخلفوا عنه واعتذروا إِلَى الناس بأن قالوا: مَا رأينا منه فِي الولاية الأولى إِلاَّ خيراً. فلما رأى ذَلِكَ تصلب فِي الأحكام، وتوقف عن قبول جماعة، وجدد شهوداً.