ولذلكم تجدون كثير من العلماء -والمشقة تجلب التيسير- يختصر الطريق، إن أراد أن يجتهد في الرواية جعل همه الحديث وما يتعلق به، والأسانيد، والعلل، على أن هذا تنقطع دونه الأعمار، علم الحديث علم، وبعضهم اختصر الطريق واقتصر على الدراية، قلد في التصحيح، أو نظر فيها نظراً عابراً، ورجح ترجيحاً من غير دراسة كافية، وحكم من خلال هذا النظر –الاسترواح- يعني مجرد ميل، لكن العالم إذا تحرى الصواب، وصدق اللجأ إلى الله وقرن علمه بالعمل الغالب أنه يسدد ويوفق، ولو لم يتمكن من الاجتهاد المطلق بشرط الإطلاق، لكن هذا ظاهر، وأنتم أدركتم من أهل العلم من سدد ووفق، هل يتصور أنهم مع أعمالهم، والأعباء التي تحملوها وحملوها على أكمل وجه أنهم اجتهدوا في كل مسألة مسألة، وبحثوها من كل وجه، وبحثوا جميع ما يتعلق بها؟
هذا دونه خرط القتاد، ومع ذلكم وفقوا وسددوا وهدوا إلى الصواب، هذا سببه أيش؟ الإخلاص، سببه الإخلاص وصدق اللجأ إلى الله -جل وتعالى- والعمل بالعلم، أما شخص ديدنه المكتبة، ما يخرج من المكتبة؛ بحثاً وراء بحث، لكن إذا جاءت الصلاة هو آخر من يحضر المسجد، إذا جاء القيل والقال أول من يبادر، مثل هذا قد لا يوفق، فعلى العالم أن يتصف بالورع، والالتزام الحقيقي بالدين، وأن يكون عمله مطابقاً لعلمه، ثم يسدد.
ثم قال بعد ذلك: ومعرفة الرجال، وتفسير الآيات الواردة في الأحكام: يعرف آيات الأحكام، يعرف آيات الأحكام، وعناية الفقهاء بآيات الأحكام، ولا يشترطون للمجتهد المطلق حفظ القرآن، سوى آيات الأحكام، ما يشترط حفظ القرآن، يعني رغم صعوبة الشروط التي وضعوها لم يشترطوا حفظ القرآن؛ لأن همهم الأحكام العملية.
بعضهم يقدر آيات الأحكام خمسمائة آية، وهذه ألفت فيها الكتب -كتب تفسير آيات الأحكام- من أهمهما (أحكام القرآن لابن العربي)، وميله إلى مذهب مالك، (أحكام القرآن للجصاص)، وميله لمذهب أبي حنيفة، (أحكام القرآن لإلكيا الطبري الراسي)، وهو شافعي المذهب.