من أجمع وأنفس ما كتب في أحكام القرآن (الجامع في أحكام القرآن للقرطبي)، فآيات الأحكام لا بد من العناية بها، ولا يعني هذا أننا نهمل ما جاء في القرآن في القصص –مثلاً-؛ العبر والمواعظ والدروس التي تستنبط من القصص لا تقل أهميتها عن أهمية آيات الأحكام.
الأمثال: وقد قال الله -جل وعلا-: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(٤٣) سورة العنكبوت]، لا بد من معرفتها، آيات الترغيب، آيات الترهيب، وآيات القرآن تنوعت أنواعاً بحسب ما يحتاجه العالم والمتعلم، لكن الفقهاء يهمهم الفقه الذي هو الأحكام، فلا بد للمجتهد أن يكون عارفاً بكتاب الله -عز وجل- لا سيما ما يتعلق منه بالأحكام الذي هو بصدد إفتاء الناس فيها؛ فكيف يفتي الناس ويتصدى لحل إشكالاتهم من لا يعرف كتاب الله -عز وجل- ولا بد أن يعرف تفسير هذه الآيات من خلال كلام العلماء الموثوقين من سلف هذه الأمة وأئمتها.
وأن يكون عارفاً بناسخها ومنسوخها، لا بد أن يعرف الناسخ من المنسوخ، وقد وقف علي بن أبي طالب على قاص، فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال:"هلكت وأهلكت"؛ قد يفتي الناس بحكم منسوخ. والنسخ في القرآن والآيات المنسوخة والآيات الناسخة فيها المؤلفات، من أجمعها كتاب ابن النحاس، وكذلك على المتعلم الذي يتمنى أن يكون مجتهداً مفتياً، أن يعنى بتفسير أحاديث الأحكام؛ فالسنة كما هو معروف شقيقة القرآن في الاستدلال، وإن كانت هي المصدر الثاني في الترتيب؛ باعتبار القائل وباعتبار الثبوت، فلا بد لمن يتصدى للإفتاء أن يكون حافظاً لقدر كاف، عارفاً بما فيها من أحكام، مطلعاً على أقوال العلماء في شرحها؛ لئلا يضل في فهم هذه الأحاديث، ويأتي بما لم يسبق إليه في ذلك.
كتب أحاديث الأحكام كثيرة: عمدة الأحكام، بلوغ المرام، المحرر، المنتقى، الإلمام، كتب ألفت في هذا الشأن ولها شروح كثيرة، ويذكر بعض أهل العلم أن سنن أبي داود يكفي المجتهد، يكفي المجتهد سنن أبي داود في أحاديث الأحكام، وبعضهم يضيف إليه السنن الكبرى للبيهقي-البحر- لا شك أن من أحاط علماً بسنن البيهقي -وهذا أشرنا إليه مراراً- لا شك أنه يصدر عن علم، لكن من يوفق للعناية بهذه الكتب؟