معاناة العلم شاقة وصعبة، لكن الثمرة من هذه المعاناة كبيرة؛ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(١١) سورة المجادلة].
جاء في فضل العلم ومدح أهله من نصوص الكتاب والسنة الشيء الكثير، لولا المشقة لكان كل الناس علماء، كل الناس علماء، ولولا التعب واللهث وراء أمور الدنيا لصار الناس كلهم تجاراً تجاراً، لكن الراحة والإخلاد إليها والدعة والترف يعوق عن تحصيل خير الدنيا والآخرة.
ولا بد أن يكون أيضاً عالماً بناسخ الحديث ومنسوخه، وألفت فيه الكتب، ومن أنفس ما ألف في هذا الباب (الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي)، وهذا كتاب نفيس ينبغي لطالب العلم أن يعنى به، ومع تمام معرفته بذلك -بجميع ما ذكر وإتقانه- لا بد أن يتصف بالورع، ورعاً ديِّناً، لا يتجرأ على الله فيفتي بغير علم؛ لأنه إن لم يكن ورع جرؤ على الله -عز وجل- وأفتى الناس بغير علم، أو أفتاهم -وإن كان له عنده شيء من العلم- يمكن يفتي بخلاف ما يعلم طمعاً في حطام فاني -حطام الدنيا- إرضاءً لفلان أوعلان، يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً، فعلى المفتي ألا يتجرأ على الله، فيفتي بغير علم، أو بشيء لم يتأكد منه؛ لأن المفتي كما هو معلوم موقِّع عن الله -عز وجل-، فليحذر أشد الحذر من يتصدى لهذا الأمر الخطير، من الجرأة على الله -عز وجل-؛ فالقول على الله بلا علم من عظائم الأمور، كما قال -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [(٣٣) سورة الأعراف].