قال -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [(٦٠) سورة الزمر]: يعني يدخل في المتكبرين من يتكبر عن قول: لا أدري، أو لا أعلم، إذا قرنَّا هذا بقوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [(١١٦) سورة النحل]، فتوى بغير علم كذب الله -عز وجل-، فلا بد حينئذ من توافر العلم والدين والورع، كما قال الناظم:
وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
مع الأسف الشديد أن نرى ونسمع كثيراً ممن يتصدى للفتوى بغير علم، أو مع علم، لكن يفتي بغير الحق؛ اتباعاً للهوى وطمعاً في الحطام الفاني، وقد صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال:((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) [الحديث مخرج في البخاري].
وثبت في الصحيح من حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا)).
يقول ابن القيم-رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين:"فصل: وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة وأقوال الخلفاء الراشدين ثم أفتى".
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراه قال: في المسجد- فما كان منهم محدث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا".