ثم قال: فإن أبيتم ذلك، ففي الصحابة -رضي الله عنهم- من هو أعظم قدراً من صاحبكم علماً وعملاً وفضلاً، وجلالة قدر، تقولون: أبو حنيفة أهل لأن يقلد؛ لأنه إمام، نقول: أي إمامة أبي حنيفة أو إمامة أبي بكر؟ أبو بكر أهل لأن يقلد، تقولون: مالك، أي مالك وعمر –مثلاً- تقولون: أحمد يحفظ من السنة، ومالك نجم السنن، أي هؤلاء وأبو هريرة في الحفظ، لماذا لا نطلع فوق ونقلد الصحابة؟ هذا كلام الشوكاني.
فإن أبيتم ذلك، فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدراً، وأجلّ خطراً، وأكثر أتباعاً، وأقدم عصراً، وهو: محمد بن عبد الله نبينا ونبيكم -عليه الصلاة والسلام- ورسول الله إلينا وإليكم، فتعالوا، فهذه سنّته موجودة في دفاتر الإسلام، ودواوينه التي تلقتها جميع الأمة قرناً بعد قرن، وعصراً بعد عصر، وهذا كتاب ربنا خالق الكل، ورازق الكل، وموجد الكل بين أظهرنا موجود في كل بيت، وبيد كل مسلم لم يلحقه تغيير ولا تبديل، ولا زيادة، ولا نقص، ولا تحريف، ولا تصحيف، ونحن وأنتم ممن يفهم ألفاظه، ويتعقل معانيه، فتعالوا لنأخذ الحقّ من معدنه، ونشرب صفو الماء من منبعه، فهو أهدى مما وجدتم عليه آباءكم.
قالوا –يعني بلسان الحال-: لا سمع ولا طاعة، يقول: إما بلسان المقال، وإما بلسان الحال، يقول: فتدبر هذا، وتأمله إن بقي فيك بقية من إنصاف، وشعبة من خير، ومزعة من حياء، وحصة من دين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
يقول: وقد أوضحت هذا غاية الإيضاح في كتابي الذي سميته «أدب الطلب ومنتهى الأرب»، فارجع إليه إن رمت أن تنجلي عنك ظلمات التعصب، وتتقشع لك سحائب التقليد" انتهى كلامه بحروفه.
ابن حزم –أيضاً- له كلام طويل جداً في إبطال التقليد في الباب السادس والثلاثين من الأحكام.
هذا الكلام وإن كان فيه شدة على جماهير المسلمين الذين يتبعون المذاهب الأربعة، هذا فيه شدة عليهم، لكنه أقرب إلى الحق والصواب، نعم، مما يتذرع به كثير من متعصبة المذاهب؛ لأن كلام مثل هؤلاء يدعون إلى الكتاب والسنة الذي هو الأصل، وأولئك يدعون إلى تقليد الرجال ثقة بهم وبإمامتهم وعلمهم وعملهم.