هذه نظرية، لا يمكن أن يقول لك مباشرة إلا عاد إذا كانت الموهبة متميزة جداً يقول لك: سبعها ١١٥، هذا يحتاج إلى نظر واستدلال، يحتاج إلى آلة يحتاج إلى قسمة، فإن مثل هذا يحتاج إلى مقدمات وقسمة ونحو ذلك، والنتيجة لا تحتمل النقيض، يعني إذا استقر الأمر وعرفت أن سبعها ١١٥ صارت في النتيجة مثل واحد نصف الاثنين، مائة بالمائة.
ولذا فإن التمثيل من قبل بعضهم بأن المذي نجس، وأن طواف الوداع واجب، وأن عقد الإجارة عقد لازم، وغير ذلك من المسائل المختلف فيها هنا التمثيل بمثل هذا فيه نظر؛ لأن هذه المسائل لا تدخل في العلم بل هي ظنية، وسيأتي ما بين العلم والظن، ووجوب العمل بالجميع، هذا أمر متقرر، ونقرره فيما سيأتي -إن شاء الله تعالى- فيه نظر على مقتضى صنيع في التفريق بين العلم النظري والظن على ما سيأتي.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
والعلم إما باضطرارٍ يحصل ... أو باكتسابٍ حاصل فالأول
كالمستفاد بالحواس الخمس ... بالشم أو بالذوق أو باللمس
والسمع والإبصار ثم التالي ... ما كان موقوفاً على استدلال
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه، والاستدلال طلب الدليل، والدليل هو المرشد إلى المطلوب: النظر، وهو التأمل، وليس المراد به الرؤية بالبصر؛ لأن النظر يطلق ويراد به الرؤية البصرية، نظرت إلى كذا، المراد به: الرؤية بالبصر، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [(٢٢ - ٢٣) سورة القيامة]، فالمراد بالنظر هنا: التأمل والتفكير في الشيء لمعرفة حقيقته، والمنظور فيه أعمّ من أن يكون أحكاماً شرعية أو غيرها، لكن لما كان علم أصول الفقه مما يحتاج إليه من يعاني استنباط الأحكام الشرعية صار الاهتمام بالنسبة للنظر في الأحكام الشرعية، فالنظر والتأمل هو طريق معرفة الأحكام الشرعية واستنباطها من أدلتها من قبل من لديه أهلية النظر، من قبل من لديه أهلية النظر، وهو المجتهد على ما سيأتي.