والفكر حركة النفس في المعقولات لا في المحسوسات، والاستدلال طلب الدليل المؤدي إلى المطلوب، والدليل هو المرشد إلى المطلوب، والمراد به اسم الفاعل الدال، فالذي يدل غيره -الطريق المحسوس- كي لا يضل ولا يتيه نسميه دليل، فهو داله على مراده ومقصوده.
واتخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن أريقط من أجل أيش؟ نعم، يدله، فالذي يرشد الناس إلى حكم المسألة دليل وهو الدال، وهكذا بمعنى دال، فإذا سمعت بحكمٍ شرعي فطلبت دليله، ثم تأملت في الدليل ثبوتاً ونفياً وبحثت عن وجه الدلالة من هذا الدليل استوفيت ما ذكره المصنف من الاستدلال والنظر والتفكر في الدليل والتأمل فيه وهكذا.
يقول الناظم:
وحد الاستدلال قل ما يجتلب ... لنا دليلاً مرشداً لما طلب
ثم جاء إلى ما يتمم القسمة من ذكر الظن والشك بعد أن ذكر العلم والجهل، قال:
الظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر، والشك تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر: فلما ذكر العلم الذي لا يحتمل النقيض ذكر ما يحتمله -يحتمل النقيض- إما مع الرجحان أو مع التساوي، فالراجح من الاحتمالين هو الظن، ويقابله المرجوح وهو الوهم، ومع التساوي يسمى شك، فإذا بلغك الخبر، وليكن مثلاً قدوم زيد، بلغك أن زيداً قدم، فإن كان تصديقك لهذا الخبر نسبته مائة بالمائة، فهو أيش؟ العلم، وإن كان نسبة تصديقك سبعين بالمائة مثلاً فهو الظن، وإن كانت النسبة خمسين بالمائة فهو الشك، وإن كانت النسبة ثلاثين بالمائة مثلاً فهو الوهم، فالعلم موجب للعمل بلا خلاف، والظن موجب له عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم، الظن موجب للعمل عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم، ونؤكد على هذا؛ لأن المبتدعة لهم مسلك، ولأهل السنة مسلك.