حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي دَأْبٍ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَدِينَةَ وَهُوَ غَضْبَانُ عَلَى أَهْلِهَا، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَقَرَأَ بِهِمْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَإِذَا زُلْزِلَتْ وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْفَتْحِ، وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ، وَكُنَّا بَيْنَ يَدَيْهِ نَسْمَعُهُ عَابِسًا قَدْ حَفَّتْ بِهِ الْحِرَابُ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَبِّحُونَ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، مَالَكُمْ تُسَبِّحُونَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ دُخُولَنَا الْمَسْجِدَ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُكُمْ فِي نَوَاحِيهَا لَرَأَيْتُكُمْ حَلَالًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَلَّكُمْ بَعْدَ عِزِّكُمْ وَوَضَعَكُمْ بَعْدَ ارْتِفَاعِكُمْ وَأَنْزَلَ بِكُمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ مَثَلُ الْقَرْيَةِ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهَا: {قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: ١١٢]
⦗١٠٨٧⦘ فَقَامَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِئِ قَالِ: قُلْتُ: وَاللَّهِ عَلَى الْبَاطِلِ وَعَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اقْرَأِ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ} [النحل: ١١٣] أَفَنَحْنُ كَذَّبْنَاهُ؟ لَا وَاللَّهِ وَلَكِنْ نَصَرْنَاهُ وَعَزَّزْنَاهُ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: اسْكُتْ لَا سَكَتَّ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ قَامَ الثَّانِي لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ، يَا أَهْلَ الشَّامِ إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا. قَالَ: ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: ٨٢] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قُمْ يَا ابْنَ مَصْقَلَةَ، فَبَيِّنْ لَهُمْ فَقَامَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، شَاهَتِ الْوُجُوهُ، أَنْتُمْ وَاللَّهِ أَخْبَثُ النَّاسِ أَنْفُسًا وَأَخْبَثُ حَجَرًا وَمَدَرًا أَنْتَ يَا ابْنَ قَيْنَةَ. . . . . . لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ إِنَّمَا كَانَتْ أُمُّكَ تَصْعَدُ خُبُوبًا وَتَبْرِكُ تَسَوُّلًا تَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ. فَوَضَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَبْدٍ قَدْ رَأَيْتُ مَا صَنَعْتَ، وَقَدْ عَفَوْتُ ذَلِكَ عَنْكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْعَلَهَا بِوَالٍ بَعْدِي فَأَخْشَى أَلَّا يَحْمِلَ لَكَ مَا حَمَلْتُ يَا مُحَمَّدُ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَعَالَ وَيْلَكَ أَمَا تَرَكْتَ حَمَاقَتَكَ؟ قَالَ: وَعَهِدْتَنِي أَحْمَقَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ عَهِدْتُكَ عَاقِلًا لَبِيبًا، وَلَكِنْ أَمِنْتَ أَنْ أَقْتُلَكَ غَضْبَانَ فَيَضُرُّكَ، وَأَنْدَمُ رَاضِيًا فَلَا يَنْفَعُكَ. فَقَالَ: فَقَدْ وَقَى اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ، بِهَذَا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فَمَا أَدْخَلَ ⦗١٠٨٨⦘ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ بَيْنَنَا؟ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْفَى. وَقَالَ: فَكَيْفَ رَأَيْتَ رِفْقِي؟ ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَنْتُمْ وَاللَّهِ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَوْ صَلَحْتُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. حَدِّثْنِي حَدِيثَ أَبِيكَ وَعُثْمَانَ حِينَ دَخَلَ عَلَيْكُمْ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عُثْمَانَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَإِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ مُحَبَّبُونَ فِي قَوْمِكُمْ مَنْظُورٌ إِلَيْكُمْ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: دَعَوْتَنَا لِأَمْرٍ لَمْ نَنْظُرْ فِيهِ قَبْلُ، فَمُرْ لَنَا بِكِتَابٍ فِيهِ مَا تُرِيدُ. فَدَعَا لَهُ بِصَحِيفَةٍ وَدَوَاةٍ، فَجَلَسُوا يَكْتُبُونَ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، مَا هَذَا الْمَنْحَى، أَبِإِذْنِكَ أَمْ دُونَكَ؟ قَالَ: كُلُّ ذَاكَ بِإِذْنِي وَدُونِي. قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ نِعْمَ الْفِتْيَةُ، تُبْ إِلَى اللَّهِ يَتُبْ عَلَيْكَ. قَالَ: مَا فَعَلْتُ إِلَّا حَقًّا، أَتُرِيدُ أَنْ تُقَرِّرَنِي وَتُشْهِدَ عَلَيَّ؟ قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ، أَنْتَ إِذَنْ أُمُّ بَاطِلٍ. قَالَ: قَدْ عَرَفْتُهَا فِي امْرَأَةٍ فَرَكَتْ زَوْجَهَا فَقَتَلَتْ نَفْسَهَا، لَكَ مَثَلُ السَّوْءِ، إِلَيَّ تَضْرِبُ الْأَمْثَالَ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَكُنْتُمْ تَعُدُّونَهُ حَلِيمًا؟ قَالَ: وَفَوْقَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute