للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة:

بلى يا رسول الله، فاغشنا في مجالسنا، فإنا نحبّ ذلك، فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي يخفّضهم حتى سكتوا، ثم ركب دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال (يا سعد ألا تسمع إلى ما قال أبو حباب) (١) - يريد عبد الله بن أبيّ - قال كذا وكذا» فقال سعد: يا رسول الله، اعف عنه واصفح، فو الذي نزّل الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحرة (٢) على أن يتوّجوه فيعصبوه بالعصابة، فلما ردّ الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرفه فذلك فعل به ما رأيت، فعفى عنه النبي .

وكان النبي وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال ﴿وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً» (٣) الآية، وقال الله «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً» (٤) وكان النبي يتأوّل في العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم فلما غزا النبي صلى الله


(١) في الأصل بلغت هذا لا تسمع إلى ما قال ابن حباب «والإثبات عن مغازي الواقدي ١٧٧:١ - ١٧٩.
(٢) البحرة: مستنقع الماء والبلدة، والعرب تقول لكل قرية: هذه بحرتنا أي بلدتنا (أقرب الموارد ص ٣١).
(٣) سورة آل عمران آية ١٨٦.
(٤) سورة البقرة آية ١٠٩.