حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ⦗١١٦٢⦘: أَنْبَأَنَا جَامِعُ بْنُ صُبَيْحٍ أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي دَارِهِ، وَتَخَوَّفُوا عَلَيْهِ كَتَبَ إِلَى النَّاسِ بِكِتَابٍ يَعْتَذِرُ فِيهِ بِعُذْرِهِ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكُمُ، اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ وَعَلَّمَكُمُ الْإِسْلَامَ وَهَدَاكُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ وَأَنْقَذَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ، وَأَرَاكُمُ الْبَيِّنَاتِ، وَوَسَّعَ عَلَيْكُمْ مِنَ الرِّزْقِ، وَنَصَرَكُمْ عَلَى الْعَدُوِّ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٠٥] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ٦] إِلَى قَوْلِهِ: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: ٧] . وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: ٦] إِلَى قَوْلِهِ: {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: ٨] وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ٧٧] وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ⦗١١٦٣⦘ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: ١٠] أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ رَضِيَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، وَجَنَّبَكُمُ الْفُرْقَةَ وَالْمَعْصِيَةَ وَالِاخْتِلَافَ، وَنَبَّأَكُمْ أَنْ قَدْ فَعَلَهُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ فِيهِ لِيَكُونَ لَهُ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ، فَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللَّهِ، وَاحْذَرُوا عَذَابَهُ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا أُمَّةً هَلَكَتْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ تَخْتَلِفَ، وَلَا يَكُونُ لَهَا رَأْسٌ يَجْمَعُهَا، وَمَتَى تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَا تَقُمُ الصَّلَاةُ جَمِيعًا وَيُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ، وَيَسْتَحِلُّ بَعْضُكُمْ حُرَمَ بَعْضٍ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَا يَقُمُ دِينُهُ وَتَكُونُوا شِيَعًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: ١٥٩] إِنِّي أُوصِيكُمْ بِمَا أَوْصَاكُمُ اللَّهُ، وَأُحَذِّرُكُمْ عَذَابَهُ، فَإِنَّ شُعَيْبًا قَالَ لِقَوْمِهِ: {يَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمُ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: ٩٠] " وَكَتَبَ كِتَابًا آخَرَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَقْوَامًا مِمَّنْ كَانَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَظْهِرُوا لِلنَّاسِ إِنَّمَا تَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالْحَقِّ، وَلَا تُرِيدُونَ الدُّنْيَا وَلَا مُنَازَعَةً فِيهَا، فَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِمُ الْحَقُّ إِذَا النَّاسُ فِي ذَلِكَ شَتَّى، مِنْهُمْ آخِذٌ لِلْحَقِّ وَنَازِعٌ عَنْهُ حِينَ يُعْطَاهُ، وَمِنْهُمْ تَارِكٌ لِلْحَقِّ رَغْبَةً فِي الْأَمْرِ ⦗١١٦٤⦘ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَزُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَطَالَ عَلَيْهِمْ عُمُرِي، وَرَاثَ عَلَيْهِمْ أَمَلُهُمْ فِيَّ، فَاسْتَعْجَلُوهُ الْقَدَرَ، وَقَدْ كَانُوا كَتَبُوا إِلَيْكُمْ أَنَّهُمْ قَدْ رَضُوا بِالَّذِي أَعْطَيْتُهُمْ، وَلَا أَعْلَمُ أَنِّي تَرَكْتُ مِنَ الَّذِي عَاهَدْتُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، وَكَانُوا زَعَمُوا يَطْلُبُونَ الْحُدُودَ، فَقُلْتُ: أَقِيمُوا عَلَى مَنْ عَلِمْتُمْ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ. وَقَالُوا: كِتَابُ اللَّهِ يُتْلَى، فَقُلْتُ: لَيَتْلُهُ مَنْ تَلَاهُ غَيْرَ غَالٍّ فِيهِ. وَقَالُوا: الْمَحْرُومُ يُرْزَقُ، وَالْمَالُ يُوَفَّرُ، وَتُسْتَنُّ السُّنَّةُ الْحَسَنَةُ، وَلَا تَتَعَدَّ إِلَى الْخُمُسِ وَالصَّدَقَةِ، وَيُؤَمَّرُ ذَوُو الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ، وَتُرَدُّ مَظَالِمُ النَّاسِ إِلَى أَهْلِهَا، فَرَضِيتُ بِذَلِكَ، فَقُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُونَ؟ قَالُوا: تُؤَمِّرْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ وَيَقَرُّ جُنْدُهُ الرَّاضُونَ، وَأْمُرْهُ فَلْيُصْلِحْ أَرْضَهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنَّهُ لَمْ يُرْضِهِمْ ذَلِكَ فَمَنَعُونِيَ الصَّلَاةَ، وَحَالُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ، وَانْتَزَوْا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَهُمْ يُخَيِّرُونَنِي بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُقِيدُونِي بِكُلِّ رَجُلٍ أُصِيبَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، أُخِذْتُ بِهِ غَيْرَ مَتْرُوكٍ لِي مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِمَّا أَنْ أَفْتَدِيَ فَأَعْتَزِلَ وَيُؤَمِّرُوا آخَرَ، وَإِمَّا أَنْ يُرْسِلُوا إِلَى مَنْ أَطَاعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجُنُودِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَتَبَرَّأُونَ مِنَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ. فَقُلْتُ لَهُمْ: أَمَّا إِقَادَةُ نَفْسِي فَقَدْ كَانَ قَبْلِي خُلَفَاءُ، وَمَنْ يَتَوَلَّ السُّلْطَانَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فَلَمْ يُسْتَقَدْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ نَفْسِي، وَأَمَّا أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنَ الْأَمْرِ فَإِنْ يَصْلُبُونِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْ جُنْدِ ⦗١١٦٥⦘ اللَّهِ وَخِلَافَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَنْ يُرْسِلُوا إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَتَبَرَّأُونَ مِنْ طَاعَتِي فَلَسْتُ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ، وَلَمْ أَكُنِ اسْتَكْرَهْتُهُمْ مِنْ قَبْلُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَلَكِنْ أَتَوْهَا طَائِعِينَ يَبْتَغُونَ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَصَلَاحَ الْأُمَّةِ، وَمَنْ يَكُنْ مِنْهُمْ يَبْتَغِ الدُّنْيَا فَلَيْسَ يَنَالُ مِنْهَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ، وَمَنْ يَكُنْ إِنَّمَا يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةِ وَصَلَاحَ الْأُمَّةِ وَابْتِغَاءَ السُّنَّةِ الْحُسْنَى الَّتِي اسْتَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِهِ فَإِنَّمَا يَجْزِي بِذَلِكَ اللَّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فَمَنْ يَرْضَى بَالنُّكْثِ مِنْكُمْ فَإِنِّي لَا أَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَنْكُثُوا عَهْدًا، وَأَمَّا الَّذِي تُخَيِّرُونِي فَإِنَّمَا هُوَ النَّزْعُ وَالتَّأْمِيرُ فمَلَكْتُ نَفْسِي وَمَنْ مَعِي فَنَظَرْتُ حُكْمَ اللَّهِ وَتَغْيِيرَ النِّعْمَةِ مِنَ اللَّهِ، وَكَرِهْتُ أَلْسِنَةَ السُّوءِ، وَشِقَاقَ الْأُمَّةِ وَسَفْكَ الدِّمَاءِ، وَإِنِّي أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ أَلَّا تَأْخُذُوا إِلَّا الْحَقَّ وَتَعَاطَوْهُ مِنِّي، وَيُرَدُّ الْفَيْءُ عَلَى أَهْلِهِ، فَخُذُوا مَا بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ، فَإِنِّي أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَهْدِ وَالْمُؤَازَرَةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} وَإِنَّ هَذِهِ مَعْذِرَةٌ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ، فَإِنِّي عَاقَبْتُ أَقْوَامًا - وَمَا أَبْتَغِي بِذَلِكَ إِلَّا الْخَيْرَ - فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ عَمِلْتُهُ، وَأَسْتَغْفِرُهُ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ رَحْمَةَ رَبِّي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، إِنَّهُ لَا يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونِ، وَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، وَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَلَكُمْ ⦗١١٦٦⦘، وَأَنْ يُؤَلِّفَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى الْخَيْرِ، وَيُكَرِّهَ إِلَيْهَا الشَّرَّ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُسْلِمُونَ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute