ما ليس في السور المكية، ولها كان الخطاب بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} مختصًّا بالسور المدنية، وأما الخطاب بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فالغالب أنه في السور المكية، وربما كان في السور المدنية؛ لأن الخطاب العام يدخل فيه المؤمنون وغيرهم بخلاف الخاص، والأصول تعم ما لا يعم الفروع، وإن كانت الفروع واجبة على الكفار على أصح القولين؛ فإنما ذلك ليعاقبون عليها في الآخرة، وأما [كون] / الكافر يؤمر بعمل الفروع قبل الإيمان فلا.
و«سورة النساء» والغالب عليها مخاطبة الناس في الصلات التي بينهم بالنسب والعقد وأحكام ذلك، فافتتحها الله سبحانه بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} لعموم أحكامها وقال: {اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}، فذكر اشتراك جميع الناس في الأصل، وأمرهم بتقوى الله الذي [به] يتعاقدون ويتعاهدون؛ فإن كل واحدٍ من المتعاقدين يطلب من الآخر ما قصده بالعقد، وهو بالله يعقده؛ إذ قد جعلوا الله عليهم كفيلاً، وبصلة الأرحام التي خلقها الله - سبحانه وتعالى - كما جمع بينهما في قوله - عز وجل -: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ • وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}، وفي قوله - عز وجل -: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ • الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}.
/ وأما «سورة المائدة» فإنها سورة العقود - وهي العهود والمواثيق - التي يعقدها بنو آدم بينهم وبين ربهم، ويعقدها بعضهم لبعضٍ، مثل عقد الإيمان وعقد الأيمان، فأمر الله بالوفاء بالعهود، والوفاء بالعهود من صفات الصادقين دون