فتكون نفسه (اختانت عليه) وغلبته، وهذا يوجد كثيرًا في أمر الجماع وأمر المال، ولهذا لا يؤتمن على ذلك أكثر الناس، ويقصد بالائتمان من لا تدعوه نفسه إلى الخيانة في ذلك، قال سعيد بن المسيب:«لو اؤتمنت على بيت المال لأديت الأمانة، ولو اؤتمنت على امرأةٍ سوداء حبشيةٍ لخشيت أن لا أؤدي الأمانة فيها». وكذلك المال لا يؤتمن عليه أصحاب الأنفس الحريصة على أخذه كيف اتفق.
١٣١ - وتكلم شيخنا على قوله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، واختار أن المعنى أن يكون النبي قُتِل وأن من معه من الربيين لم يهنوا بعد قتله، وضعَّف قول من قال: إن الربيين يهنوا بعد قتله، وضعَّف قول من قال: إن الربيين قُتلوا تضعيفًا كثيرًا من عدة وجوهٍ، والربيون هم الجماعة الكثيرة، قال: وقوله: / {مَعَهُ رِبِّيُّونَ} صفة للنبي لا حالاً. قال: وحذف الواو في مثل هذا دليل على أنها صفة بعد صفة ليست حالاً، وبهذا يظهر كمال المعنى وحسنه، فإن قوله:{مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} أي هم يتبعونه سواء كانوا معه حين قتل أو لم يكونوا، والمعنى على الأول؛ لأن المقصود جميع أتباع النبي صلى الله عليه وسلم لم يرتدوا لا من شهد مقتله ولا من غاب، فإن المقصود أن قَتْل النبي لا يُغير الإيمان من قلوب أتباعه.
١٣٢ - وقال: بعد أن ذكر قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ • إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} قال: وهذا أشكل على بعض الناس، فيقول: الرسل قد قُتل بعضهم فكيف يكونون منصورون؟