الخروج مؤمنا بالمواجهة مع يزيد، وبادر بالخروج خوفا أن يعاجله يزيد بمن يقتحم عليه مكة فتستباح أرض الحرمين، فظن أن خروجه أقدر له على مواجهة جيش يزيد بعيدا عن الحرمين، ولم تكن نظرة الحسين - رضي الله عنه - أبعد من هذا.
قال ابن خلدون رحمه الله: ظن الحسين - رضي الله عنه - القدرة على ذلك، ظنها من نفسه بأهليته وشوكته ـ الموعود بها ـ فأما الأهلية فكانت كما ظن وزيادة، وأما الشوكة فغلط يرحمه الله فيها، لأن عصبية مضر كانت في قريش، وعصبية قريش في عبد مناف، وعصبية عبد مناف إنما كانت في بني أمية، تعرف ذلك لهم قريش وسائر الناس، ولا ينكرونه وإنما نُسي ذلك أول الإسلام لِمَا شغل الناس من الذهول بالخوارق، وأمر الوحي وتردد الملائكة لنصرة المسلمين، فأغفلوا أمور عوائدهم، وذهبت عصبية الجاهلية ومنازعها ونُسيت، ولم يبق إلا العصبية الطبيعية في الحماية والدفاع، ينتفع بها في إقامة الدين وجهاد المشركين، والدين فيها محكّم والعادة معزولة، حتى إذا انقطع أمر النبوة والخوارق المهولة تراجع الحكم بعض الشيء للعوائد، فعادت العصبية كما كانت ولمن كانت، وأصبحت