الدين كما يزعمون، وليس كذلك، وإنما هي من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق، ولو كانت من أركان الدين لكان شأنها شأن الصلاة، ولكان يستخلف فيها كما استخلف أبا بكر في الصلاة، ولكان يشتهر كما اشتهر أمر الصلاة.
واحتجاج الصحابة على خلافة أبي بكر بقياسها على الصلاة في قولهم: ارتضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا أفلا نرضاه لدنيانا، دليل على أن الوصية لم تقع، ويدل ذلك أيضاً على أن أمر الإمامة والعهد بها لم يكن مهماً كما هو اليوم، وشأن العصبية المراعاة في الاجتماع والافتراق في مجاري العادة لم يكن يومئذ بذلك الاعتبار، لأن أمر الدين والإسلام كان كله بخوارق العادة من تأليف القلوب عليه، واستماتة الناس دونه، وذلك من أجل الأحوال التي كانوا يشاهدونها في حضور الملائكة لنصرهم، وتردد خبر السماء بينهم وتجدد خطاب الله في كل حادثة تتلى عليهم، فلم يحتج إلى مراعاة العصبية لما شمل الناس من صبغة الانقياد والإذعان، وما يستفزهم من تتابع المعجزات الخارقة، والأحوال الإلهية الواقعة، والملائكة المترددة التي وجموا منها، ودهشوا من تتابعها.