فكان أمر الخلافة والملك والعهد والعصبية، وسائر هذه الأنواع مندرجاً في ذلك القبيل، كما وقع، فلما انحصر ذلك المدد بذهاب تلك المعجزات، ثم بفناء القرون الذين شاهدوها، فاستحالت تلك الصبغة قليلاً قليلاً وذهبت الخوارق وصار الحكم للعادة كما كان، فاعتبر أمر العصبية ومجاري العوائد فيما ينشأ عنها من المصالح والمفاسد، وأصبح الملك والخلافة والعهد بهما مهماً، من المهمات الأكيدة كما زعموا، ولم يكن ذلك من قبل.
فانظر كيف كانت الخلافة لعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مهمة، فلم يعهد فيها، ثم تدرجت الأهمية زمان الخلافة بعض الشيء بما دعت الضرورة إليه في الحماية والجهاد وشأن الردة والفتوحات، فكانوا بالخيار في الفعل والترك كما ذكرنا عن عمر - رضي الله عنه -، ثم صارت اليوم من أهم الأمور للألفة على الحماية، والقيام بالمصالح، فاعتبرت فيها العصبية التي هي سر الوازع عن الفرقة والتخاذل، ومنشأ الاجتماع والتوافق، الكفيل بمقاصد الشريعة وأحكامها (١).