على الرغم مما اكتنف القرن الثامن الهجري، فإنه يعتبر مرحلة من مراحل النشاط الفكري، التي ظهرت في الدولة الإسلامية عقب الزحف التتري على بلاد الإسلام في القرنين السادس والسابع، فإن الأهوال العظيمة التي صحبت هذا المد، وما نجم عنها من إهلاك للبشر، وتخريب للديار، وحرق وإغراق للثروة العلمية، والتراث الإسلامي على يد أولئك الهمج، نبَّه جهور علماء المسلمين ودفعهم دفعًا إلى تراث آبائهم وأجدادهم، فعكفوا عليه تحصيلًا، وفهمًا، وتمثلوه علمًا وفنًّا، ثم فزعوا -بعد ذلك- إلى أقلامهم يسجلونه على نحو جديد، يدنيه من كل قلب، ويحببه إلى كل نفس، وكان ذلك إيذانًا ببداية عصر الموسوعات العلمية والأدبية، ولمعت آنذاك في سماء الفكر شخصيات فريدة ظلت تحافظ على هذه الثروة الفكرية، يسلمونها من جيل إلى جيل حتى وصلت إلينا غنية موفورة، تقدم بعض العزاء عما فقدناه من أصول الفكر الإسلامي، التي ذهب بها الغزو التتري، وأتت على كثير منها الحروب الصليبية.
وكانت أسرة زين الدين أبي محمد السبكي من بين الأسر التي كان لها حظ المشاركة بنصيب كبير في تلك النهضة العلمية.