لقد كان القضاء ولا يزال فريضة محكمة، وأمانة عظيمة له خطورته وأهميته، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الحاكم والقاضي، ثم آل الأمر من بعده إلى خلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين رضي الله عنهم، فالتزموا طريقته، وسنته في ذلك، وقاسوا الأمور بنظائرها، فيما لا نص فيه من كتاب، أو سنة.
ولمّا كثرت الفتوحات، وتعددت الأمصار، وكثر المسلمون ظهر اهتمام الخلفاء بهذا العمل الجليل، فعينوا قضاة ينوبون عنهم في البلدان المفتوحة، رأوهم أهلًا لإسناد هذا المنصب المهم، والخطير إليهم، ثم جاء من بعدهم مَنْ تولى أمور المسلمين، فمنهم من وفق للعدل في أحكامه، ومنهم الظالم لنفسه ولغيره، وعندما حاول البعض منهم إخضاع القضاء لسلطان هواهم، والخروج به عمّا رسم له من معالم وأسس يقوم عليها، امتنع كثير من العلماء عن تولِّي هذا المنصب الجليل. وعلى الرغم من ذلك لم يزل القضاء -عمومًا- محتفظًا بهيمنته ومكانته، وكانت ميزته -غالبًا- العفة، والنزاهة، والعدل، والأمانة بدليل أننا لو نظرنا وتتبعنا العلماء