إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليمًا كثيرًا.
وبعد: فإن علم الأصول عظيم شأنه، عميم نفعه، يحتاج إليه الفقيه، والمتفقه، والمحدِّث، والمفسر، لا يستغني عنه ذو نظر، ولا ينكر فضله أهل الأثر، إذ هو الدستور القويم للاستنباط، والاجتهاد، به يتمكن من نصب الأدلة السمعية على مدلولاتها، ومعرفة كيفية استنباط الأحكام الشرعية.
ولذا فإنه يعتبر من أهم الوسائل التي تُثبِّت قواعد الدين، وتدعمها، وترد على شُبَه الملحدين، والمضلّلين، وتبطلها، فكان لأهل البحث والاجتهاد هاديًا، وللمبتدعة على بدعهم رادًّا، وقاضيًا.
ولقد كان بين أهل الرأي، وأهل الحديث بَوْنٌ شاسع، رحمهم الله جميعًا؛ إذ كان الفريق الأول متميزًا بقوة البحث والنظر والاستنباط، بينما كان الفريق الثاني متضلِّعًا بعلم الحديث، دراية ورواية، وكان كل فريق يوجه اللوم إلى الآخر، ويتهمه بالقصور، حتى جاء الإمام الشافعي رضي الله