والملاحظ أن كثيرًا من الفقهاء لا يجرى في بعض ما يقرره على الأصول، فإن الاستحباب أحد الأحكام الشرعية الخمسة، ولا يثبت إلا بدليلٍ، فأين الدليل في مسألتنا هذه؟ ومثله قول النووي في "الأذكار" (ص - ٢٣): "قال بعض أصحابنا وهو الشيخ أبو الفتح نصر المقدسيُّ الزاهدُ: يستحب أن يقول في ابتداء وضوئه بعد التسمية: أشهد أن لا إله إلا الله ... إلخ وهذا الذي قاله لا بأس به، إلَّا أنه لا أصل له من جهة السنة ... " اهـ فتأمَّلْ -يرحمك الله- كيف أنه صرَّح أنه لا أصل له عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال: لا بأس به، وكان الصوابُ أن يفتى بعدم جوازه. فالله المستعان. [تنبيه] تعقب الحافظُ النووىَّ في قوله: "إلا أنه لا أصل له من جهة السنة" فقال في "النتائج" ١/ ٢٤٧ بعد أن ذكر حديث البراء: "وفيه تعقب على المصنف في قوله الذي قبل هذا أن التشهد بعد التسمية لم يرد" اهـ. * قُلْتُ: لم يقل النوويُّ: "لم يرد"، ولكن قال: "لا أصل له من جهة السُّنة" يعني الصحيحة, وحتى لو قال ما ذكره الحافظ فلا يُحمل إلَّا على الورود الصحيح، لأن مجرد الورود لا يعتبر إلَّا من الثبوت، وإلَّا فورود الحديث عن غير الثقات هو والعدم سواء. والله الموفق. (١) وانظر "التلخيص الحبير" (١/ ١٠٠) للحافظ ابن حجرٍ رحمه الله تعالى.