فإذا كان أبو غدة يعني بالانتساب المذكور في كلامه مطلق الانتساب هذا الذي هو وسيلة لا غاية وهو الظاهر من إطلاقه لكلامه فقد افترى علينا والله حسيبه، وإن كان الانتساب الذي عليه الأغلبية الساحقة من المقلدة -وهذا ما لا أظن أنه يستطيع أن يبوح به- فنحن نقول بكل صراحة: إننا نراه سبة ونقصًا. ونزيد فنقول إن ذلك مما تلقيناه من الأئمة الذين نهوا عن التقليد وأوجبوا الاتباع للكتاب والسنة في نصوص عديدة استوعبتها في المقدمة المشار إليها آنفًا، ومن ذلك قول بعضهم «لا يقلد إلا عصبي أو غبي»(١).
وقوله فيما تقدم:«ووصفني المرات تلو المرات بأني حنفي مسوقة مساق التعيير والمسبة». هو من ذاك القبيل في الافتراء والبهت. فإننا لا نعير أحدًا لمجرد كونه منتسبًا لأبي حنيفة أو غيره من الأئمة رحمهم الله جميعًا، وإنما نعير من كان متعصبًا لمذهبه مؤثرًا له على كتاب ربه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأبو غدة من هذا الجنس قطعًا شديد التعصب لمذهبه، فخور به، فإنه يحمد الله على
(١) وقد حرف أبو غدة هذه العبارة بجهله أو تجاهله فقال (ص ٣٨): «فلا يتابع في كل شيء إلا عصبي أو غبي». وذلك لأنه يفهم أن الاتباع هو التقليد بدليل قوله قبل ذلك: «مع أني تابع مقلِّد والحمد لله على فضله (! ) فلا يتابع في كل شيء إلا ... » وهذا من جهله بما حققه العلماء كابن عبد البر وغيره من الفرق بين الاتباع والتقليد أو من المخالفة المقصودة منه لهم (وأحلاهما مر).