ثم قال أبو غدة هداه الله وأماط عنه بغضه وحقده: «وقالوا في هذا الكتاب أيضًا (ص ١٥١) منددين بالمسؤولين عن المسجد النبوي واصفين لهم بمسايرة الأهواء وضعف الإيمان وغلبة الهوى:
« ... ولقد تحدثت مع بعض الفضلاء بضرورة الحيلولة بين هؤلاء الجهال وما يأتون من المخالفات، ولكن المسؤول الذي يستطيع ذلك لم يفعل، ولن يفعل إلا أن يشاء الله! ذلك أنه يساير بعض أهل المدينة على رغباتهم وأهوائهم، ولا يستجيب للناصحين من أهل العلم، ولو كانوا من أهل البلاد! وإلى الله المشتكى من ضعف الإيمان، وغلبة الهوى، الذي لم يفد فيه حتى التوحيد! لغلبة حب المال على أهله إلا من شاء الله وقليل ما هم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «فتنة أمتي المال». انتهى كلامهم».
قلت: هذا النص كسابقه في الدلالة على أنني ذكرت المسؤولين هناك بما يقع في المسجد النبوي من المنكرات، ولكن أبو غدة على عادته في قلب الحقائق يعتبر ذلك تنديدًا بالمسؤولين ومن هنا عرفت السبب في كون أبي غدة استطاع أن يستمر موظفًا عندهم نحو عشر سنين مع أنهم في العقيدة سلفيون وهو خلفي*! وذلك بتزلفه لديهم، ومنافقته إياهم، بينما غيره لم يطل مكثه لديهم إلا ثلاث سنوات مع اعتقادهم فيه أنه سلفي، وما ذلك إلا لنصحه وتذكيره مع تقصير لا يخلو منه إنسان، وذاك متفوق في ترك النصح والتذكير ليحظى منهم بـ «عدد من القرش ليملأ به الكرش! ».
وقبل أن أنتقل بالقراء إلى فقرة أخرى أريد أن ألفت النظر إلى تمام الكلام الذي تعمد أبو غدة حذفه في أول
* في الطبعة الثانية: (حنفي)، والمثبت من الطبعة الأولى للكتاب. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]