للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٤٨١٠ - حدثنا عليُّ بن المباركِ الصَّنْعانيُّ، قال: ثنا زيدُ بن المباركِ، قال: حدثني عبدُ الملكِ بن عبدِالرحمنِ الذِّمَاريُّ، قال: ثنا [محمد بن سعيدٍ] (١) ؛ أنّ معاويةَ لما حَضره الموتُ قال ليزيدَ بن معاويةَ: قد وَطّأتُ لك البلادَ، وفَرَشْتُ لك الناسَ، ولستُ أخافُ عليك إلا أهلَ الحجازِ؛ فإنْ رابك منهم ريبٌ فَوجِّهْ إليهم مسلمَ بن عقبةَ المُرِّيَّ؛ فإني قد جرَّبتُه غيرَ مرةٍ، فلم أجدْ له مِثْلاً؛ لطاعتِهِ ونَصيحتِهِ.

فلما جاء يزيدَ بنَ معاويةَ خلافُ ابنِ الزُّبيرِ/ ودعاؤه إلى نفسِه، دعا [س: ١٨/ب] مسلمَ بن عقبةَ المُرِّيَّ، وقد أصابه فالجٌ (٢) ، فقال: إنّ أميرَ المؤمنينَ عَهِد إليَّ في مرضِه إنْ رابني من أهلِ الحجازِ شيءٌ أنْ أُوجِّهَكَ إليهم، وقد رابني. فقال: إنّي كما ظنّ أميرُ المؤمنينَ، اعقدْ لي، وعَبِّئِ الجيوشَ. قال: فوَرَدَ المدينةَ فأباحها ثلاثًا (٣) ، ثم دعاهم إلى بيعةِ يزيدَ على أنّهم أعبُدٌ قِنٌّ (٤) في طاعةِ الله ومعصيتِهِ، فأجابوه إلى ذلك، ⦗١٧٩⦘ إلَاّ رجلً واحدً (٥) من قريشٍ أُمُّه أُمُّ ولدٍ، فقال له: بايعْ ليزيدَ على أنكَ عبدٌ في طاعةِ الله ومعصيتِهِ، قال: لا، بل في طاعةِ اللهِ. فأبى أنْ يقبل ذلك منه، وقَتلَه. فأَقْسمتْ أُمُّهُ قَسَمًا: لَئِنْ أَمكنَها اللهُ من مسلمٍ (٦) حيًّا أو ميتًا؛ أن تُحرِّقَه بالنارِ!.

قال: فلما خرج مسلمُ بن عقبةَ من المدينةِ اشتدّتْ [عِلَّتُه] (٧) فمات، فخرجتْ أُمُّ القرشيِّ بأَعْبُدٍ لها إلى قبرِ مسلمٍ، فَأَمرتْ به أن ⦗١٨٠⦘ يُنْبَشَ مِن عندِ رأسِهِ، فلما وصلوا إليه إذا بثعبانٍ قدِ التَوى على عُنُقِهِ قابِضًا بأَرنبةِ أَنْفِهِ، يَمَصُّها، قال: فكاع (٨) القومُ عنه، وقالوا: يا مولاتَنا، انصرفي؛ فقد كفاك اللهُ شرَّهُ، وأخبروها الخبرَ، قالت: لا، أو أُوفِيَ (٩) اللهَ بما وعدتُّه. ثم قالت: انبِشوا لي من عندِ الرِّجْلينِ. فنبشوا فإذا الثعبانُ لاوٍ [ذَنَبَهُ] (١٠) برِجْليه، قال: فتنحَّتْ، فصلَّتْ ركعتين، ثم قالت: اللَّهمَّ إن كنتَ تعلمُ أنِّي إنَّما غضبتُ على مسلمِ بن عقبةَ اليومَ لك، فخلِّ بيني وبينَه. قال: ثم تناولتْ عُودًا فمضتْ إلى ذَنَبِ الثعبانِ فحرَّكتْه، فانسلَّ من مُؤخَّرِ رأسِهِ، فخرج من القبرِ، ثم أمرتْ به فأُخرج من القبرِ وأُحرق بالنارِ.


[١٤٨١٠] ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/٢٤٩-٢٥٠) ، ثم قال: «رواه الطبراني، وفيه عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري؛ ضعَّفه أبو زرعة، ووثقه ابن حبان وغيره، وابن رمانة لم أعرفه» ، وذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١٣/٧١) ؛ ونسبه للمصنف، ولم يتكلم عليه بشيء.
ورواه ابن عساكر (٥٨/١١٣-١١٤) من طريق المصنف، به.
(١) في الأصل: «أحمد بن محمد بن سعيد» ، والتصويب من "تاريخ دمشق"، و"مجمع الزوائد" و"فتح الباري". ومحمد بن سعيد هذا هو: ابن رُمَّانَة.
(٢) الفالج: مرضٌ يحدثُ في أحدِ شِقَّيِ البدنِ طولاً فيُبطلُ إحساسَهُ وحركتَهُ، وربما كان في الشِّقين، ويَحدثُ بغتةً. "المصباح المنير" (ف ل ج) .
(٣) انظر التعليق على الحديث [١٤٨١٣] في بيان بطلان دعوى استباحة المدينة في عهد يزيد بن معاوية.
(٤) القِنُّ: الرقيقُ، يُطلقُ بلفظٍ واحدٍ على الواحدِ وغيرِه، وربما جُمع على "أقنانٍ" و"أَقِنَّة". قال الكسائيُّ: القنُّ: مَن يُملَكُ هو وأبواه. "المصباح المنير" (ق ن ن) . ⦗١٧٩⦘
(٥) كذا في الأصل و"تاريخ دمشق"، وفي "مجمع الزوائد": «رجلاً واحدًا» .
وقوله: «إلا رجل واحد» هنا، فيه ثلاثة أوجه: الأوَّل: النصب على الاستثناء، غير أنَّه ورد هنا بحذف ألف تنوين النصب على لغة ربيعة، وكانت الجادَّةُ: «إلا رجلاً واحدًا» بالألف، وانظر في لغة ربيعة: التعليق على الحديث [١٣٦٨١] .
والثاني: الرفع على الإتباع بدلاً من الضمير الفاعل في قوله «فأجابوه» .
والثالث: الرفع على الابتداءِ، وحُذف الخبرُ، وتقديره: إلا رجلٌ واحدٌ لم يجبه.
والمشهور أنَّ المستثنى في الكلام التامِّ الموجب- كما وقع هنا- واجبُ النصب، لكنْ أفاد أبو حيَّان أنَّ ورود غير المنصوب في ذلك لغةٌ لبعض العرب؛ فإنهم يجعلون الكلامَ التامَّ الموجَبَ والتامَّ غيرَ الموجب متماثلَيْن في الحكم؛ فيجوز فيهما ثلاثة أوجه: إمَّا النصب على الاستثناء، وإمَّا الرفع على الابتداء، وإمَّا الإتباعُ على البدل من المستثنى منه. فمِنْ ذلك: قراءةُ عبد الله وأُبَيٍّ والأعمش: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [البَقَرَة: ٢٤٩] ، وقولُهُ صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري (٦٠٦٩) في رواية النسفي: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَاّ المُجَاهِرُونَ» .
وانظر: "التبيان" للعكبري (١/٨٥، ١٩٩) ، و"شواهد التوضيح" لابن مالك (ص ٩٤-٩٧) ، و"فتح الباري" (٤/٢٩) ، و (١٠/٤٨٦) ، و"البحر المحيط" لأبي حيان (٢/٢٦٦) ، وانظر "السير الحثيث، إلى الاستشهاد بالحديث" للدكتور محمود فجال (١/٢٤٦-٢٥٤) .
(٦) أي: مسلم بن عقبة.
(٧) في الأصل: «عليه» ، والمثبت من "تاريخ دمشق" و"مجمع الزوائد". ⦗١٨٠⦘
(٨) كاعَ عَن الشَّيْءِ يَكاعُ - كخَافَ يَخافُ -: لُغَة ٌ في كَعَّ عنه يَكُعُّ؛ أي: هابَهُ وجَبُنَ عنه. "تاج العروس" (ك وع) .
(٩) قولها: «أُوفِيَ» فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ «أن» واجبةِ الإضمارِ بعد «أو» التي بمعنى «حتى» . والمعنى: لا أنصرفُ حتى أُوفيَ الله بما وعدتُّه. انظر: "شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك" (٢/٣١٨-٣٢٠) .
(١٠) في الأصل: «أنفه» ، والتصويب من "تاريخ دمشق" و"مجمع الزوائد".

<<  <  ج: ص:  >  >>