وشعر الإنسان وجلد الميتة قبل الدبغ وبعده يباع وينتفع به
ــ
فإن الخرازين لا يتأتى لهم ذلك العمل بدونه، وعن الثاني أنه يكره لتأتيه بغيره، والأول هو الظاهر فإن الضرورة ببيح اللحم فالشعر أولى، ثم أن يوجد مباح الأصل فلا ضرورة إلى البيع حتى لو لم يوجد إلا بالشراء. قال أبو الليث: ينبغي أن يجوز شراؤه لشمول الحاجة إليه لكن لا يطيب للبائع الثمن، كذا في (العناية) وينبغي أن يطيب له على قول محمد القائل بأن إطلاق الانتفاع دليل طهارته حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده، وعلى قول أبي يوسف يفسده وهو الصحيح، لأن حكم الضرورة لا يتعداها وهي في الخرز فتكون بالنسبة إليه والغرض أنه لا يوجد إلا بالشراء فقد باع للخرز ما يحل الانتفاع به فيه، وعلى هذا فيطيب له على قوله أيضًا إلا أن يقال إن في أصله خبثًا فتدبره، وقول لا بأس للأساقفة أن يصلوا مع شعر الخنزير، ولو كان أكثر من قدر الدرهم مخرج على قول محمد لا على قول أبي يوسف، نبه عليه في (الفتح) وهو ظاهر.
(و) لم يجز أيضًا بيع (شعر الإنسان) ولا الانتفاع به لأن الآدمي غير مبتذل فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانًا مبتذلًا وهذا الإطلاق يعم الكافر، وقد صرح في (الفتح) في غير هذا المحل بأن الآدمي مكرم ولو كان كافرًا، وعن محمد جواز الانتفاع به لأنه عليه الصلاة والسلام حلق رأسه قسم شعره بين أصحابه فكانوا يتبركون به، ولو كان بخسًا لما فعل والأول هو الظاهر، وحرمة الانتفاع به لكرامة لا للنجاسة حتى لو وقع في الماء القليل لا ينجسه، وتقسيمه - صلى الله عليه وسلم - شعره بينهم للتبرك به لا للانتفاع كيف وقد لعن - صلى الله عليه وسلم - الواصلة والمستوصلة، والأولى هي التي تصل الشعر بشعور النساء، والثانية هي المعمول بهذا برضاها وهذا اللعن للانتفاع بما لا يحل الانتفاع به لا للتكثير، ألا ترى أنه خص فيما يتخذ من الوبر ليزيد من قرون النساء للتكثير.
(و) لم يجز أيضًا بيع (جلد الميتة قبل الدبغ) للنهي عن الانتفاع بإهاب المينة، وهو اسم لغير المدبوغ كما مر في الطهارة ولا خفاء أن نجاسته من الرطوبات المتصلة بأصل الخلقة فصار كلحم الميتة بخلاف الثوب النجس، والدهن النجس حيث يجوز بيعه لأن نجاسته عارضة فلا يتغير حكم الثوب بها فيه (وبعده يباع وينتفع به) لطهارته