وبذلك يستحيل على الله - من قبل نفسه - حل الشرك والظلم والفواحش لمنافاة ذلك لتألهه وربوبيته وكمال ملكه وحمده وحكمته، وحتى لا يقع العباد أسرى التناقض بين: آيات الله العقلية والكونية، وبين آياته السمعية.
فإن الله جل في علاه قد جبل الفطر وصبغ العقول على العلم ببطلانها وقبحها، وعلى كون العقول والفطر من أعظم الآيات وأجل البراهين المفرقة بين وحي الرحمن وأهله، ووحي الشيطان وأهله.
ونصوا: على أن الله أوجب الواجبات فوجبت، وحرم المحرمات فحرمت. فها هنا شيئان: إيجاب وتحريم وذلك حكم الله وخطابه المنوط بالبلاغ. والثاني: وجوب وحرمة وذلك صفة للفعل ثابتة له بدون الخطاب لمعقول المعنى منها.
وثبت: أن من وقع في الشرك وفعل الخبائث فقد اقترف ذنوباً عظيمة وأتى سيئات شنيعة لمخالفته مقتضى الفطر والعقول ولخروجه عن موجبهما، ولو كان صاحبها جاهلاً بالرسالة ولم تقم عليه حجة البلاغ؛ ويجب عليه التوبة منها بعد البلاغ وظهور البرهان. - أي: الوجوب المستوجب للعقاب - إلا أن الله لكمال رحمته وحبه العذر وقف العقوبة على ذلك حتى تقام الحجة ويتقطع العذر. وانتفاء العقوبة لانتفاء شرطها، لا لانتفاء سببها. فسببها قائم قبل البلاغ لمخالفة المشركين لكافة العهود والمواثيق الموجبة لإفراد الله بالعبادة والبراءة من عبادة ما سواه.
وهذا الحكم - برفع العقوبة حتى تقوم حجة البلاغ - عام في الأصول والفروع، وفي الكليات والجزئيات، وهو ضابط مستقيم مطر منعكس في كافة التكاليف، واستحال على الخصم الظفر بضابط محكم غير معوج دونه. لعموم قوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١).