للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقرروا أن الفواحش فواحش في نفسها لم تكتسب فحشها فقط بالخطاب، وقد أخبر الحكيم الخبير في سياق الإنكار على المشركين: بأنه لا يأمر بالفحشاء، فدل ذلك على تنزهه عنه، فلو كان جائزاً عليه الأمر بها ما تنزه عنه. وبذلك استحال على أحكم الحاكمين من قبل نفسه - أن تأتي شريعته على خلاف مجيئها، وبهذا ظهر بهت النفاة (١) ولاح إفكهم.

قال تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (٢).

قال ابن تيمية: "والفاحشة أريد بها: كشف السوءات، فيستدل به على أن في الأفعال السيئة من الصفات ما يمنع أمر الشرع بها، فإنه أخبر عن نفسه في سياق الإنكار عليهم أنه لا يأمر بالفحشاء، فدل ذلك على أنه منزه عنه، فلو كان جائزاً عليه لم يتنزه عنه.

فعلم أنه لا يجوز عليه الأمر بالفحشاء؛ وذلك لا يكون إلا إذا كان ال الفعل في نفسه سيئاً، فعلم أن كلما كان في نفسه فاحشة فإن الله لا يجور عليه الأمر به، وهذا قول من يثبت للأفعال في نفسها صفات الحسن والسوء، كما يقوله أكثر العلماء كالتميميين وأبي الخطاب؛ خلاف قول من يقول: إن ذلك لا يثبت قط إلا بخطاب.

وكذلك قوله (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (٣) علل النهي عنه بما اشتمل عليه أنه فاحشة، وأنه ساء سبيلاً، فلو كان إنما صار فاحشة وساء سبيلا بالنهي لما صح ذلك، لأن العلة تسبق المعلول لا تتبعه. ومثل ذلك كثير في القرآن" (٤).


(١) المقصود عندي في هذه الرسالة بهذا المصطلح: نفاة التحسين والتقبيح العقلي للأفعال.
(٢) سورة الأعراف، الآية: ٢٨.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ٣٢.
(٤) مجموع الفتاوى (١٥/ ٨: ٩).

<<  <   >  >>