للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتوحيده وأمره ونهيه.

فالرسل تخبر عنه بكلامه الذي تكلم به وهو آياته القولية، ويستدلون على ذلك بمفعولاته التي تشهد على صحة ذلك وهي آياته العيانية.

والعقل يجمع بين هذه وهذه فيجزم بصحة ما جاءت به الرسل، فتتفق شهادة السمع والبصر والعقل والفطرة" (١) أ. هـ.

فهل يجوز بعد هذا أن شرع الحكيم الخبير: عبادة غيره ويحسنها ويأمر بها، ويحرم إفراده بالعبادة ويقبحه وينهى عنه. فيقع العباد أسرى حائرين بين: تعارض مقتضى الآيات الكونية، ومقتضى الآيات السمعية؟!!!

* الشرك سوء ظن بالله وبحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، ومن ثم استحال استحسانه؛ إذ الفطر والعقول تأبى جوازه.

قال ابن القيم: "ووقعت مسألة وهي: أن المشرك إنما قصده تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك.

فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية، وإنما قصد تعظيمه. وقال: إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه وتدلني وتدخلني عليه، فهو المقصود وهذه وسائل وشفعاء، فلم كان هذا القدر موجبا لسخطه وغضبه تبارك وتعالى، ومخلداً في النار، وموجباً لسفك دماء أصحابه واستباحة حريتهم (٢) وأموالهم؟.

وترتب على هذا سؤال آخر، وهو: أنه هل يجوزأن يشرع لله سبحانه لعبادة التقرب إليه بالشفعاء والوسائط، فيكون تحريم هذا إنما ليستفيد من الشرع، أم ذلك قبح في الفطر والعقول يمتنع أن تأتي به شريعة؟ بل جاءت الشرائع بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كل قبيح؟ وما السر في كونه لا يغفره من بين سائر الذنوب؟ كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (٣).


(١) بدائع التفسير (١/ ٤٦٧: ٤٦٨).
(٢) هكذا في الأصل، ولعلها تكون "حريمهم".
(٣) سورة النساء، الآية: ١١٦.

<<  <   >  >>