للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك عندهم أنه يأمرهم بما يأمرهم، وينهاهم عما ينهاهم، ويحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، بل الأمر والنهي والتحليل والتحريم ليس في نفس الأمر عندهم لا معروف ولا منكر ولا طيب ولا خبيث، إلا أن يعبر عن ذلك بما يلائم الطباع، وذلك لا يقتضي عندهم كون الرب يحب المعروف ويبغض المنكر.

فهذا القول ولوازمه هو أيضاً قول ضعيف مخالف للكتاب والسنة. ولإجماع السلف والفقهاء، مع مخالفته أيضاً للمعقول الصريح؛ فإن الله نزه نفسه عن الفحشاء. فقال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) كما نزه نفسه عن التسوية بين الخير والشر فقال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (١) وقال: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢) وقال: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٣).

وعلى قول النفاة: لا فرق في التسوية بين هؤلاء وهؤلاء، وبين تفضيل بعضهم على بعض، ليس تنزيهه عن أحدهما بأولى من تنزيهه عن الآخر، وهذا خلاف المنصوص والمعقول. وقد قال الله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (٤) وعندهم تعلق الإرسال بالرسول كتعلق الخطاب بالأفعال لا يستلزم ثبوت صفة لا قبل التعلق ولا بعده.

والفقهاء وجمهور المسلمين يقولون: الله حرم المحرمات فحرمت، وأوجب الواجبات فوجبت، فمعنا شيئان: إيجاب وتحريم، وذلك كلام الله وخطابه،


(١) سورة الجاثية، الآية: ٢١.
(٢) سورة القلم، الآيتان: ٣٥ - ٣٦.
(٣) سورة ص، الآية: ٢٨.
(٤) سورة الأنعام، الآية: ١٢٤.

<<  <   >  >>