- وقد يقول قائل: أين مستندك على ما نسبته لجماهير العلماء من فرارهم إلى التأويل لظاهر هذا الحديث.
والجواب: مستندي في هذا مراجعة: صحيح مسلم بشرح النووي (٧/ ٧٠: ٧٤)، وفتح الباري (٦/ ٦٠٤)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ١٠٨٤)، وشرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي (٢/ ٢٧: ٣٨)، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (١٨/ ٤٠: ٤٧) ....
قال أبو عمر بن عبد البر تعليقاً على حديث القدرة: "روي من حديث أبي رافع، عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال: قال رجل لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد. وهذه اللفظة إن صحت. رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل، فهي صحيحة من جهة المعنى؛ والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون - وهم كفار، (١) لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافراً، وهذ ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة؛ وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: لم يعمل حسنة قط، أو لم يعمل خيراً قط لم يعذبه - إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير؛ وهذا سائغ في لسان العرب، جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل، والمراد البعض؛ والدليل على أن الرجل كان مؤمناً، قوله حين قيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب؛ والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم - كما قال الله عز وجل:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). قالوا: كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به، وهذا
(١) فقد يقول قائل: مقصد الشيخ هنا في عدم المغفرة مقصور على الكفار العالمين بكفرهم، دون غيرهم. وهذا التقييد باطل كل البطلان، إذ لو كان كذلك لما اضطر ابن عبد البر إلى تقييد نفي عمل الخير باستثناء التوحيد.