للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفريقان - أن جميع الكفار داخلون في فريق من سُود وجهه، وأن جميع المؤمنين داخلون في فريق من بُيض وجهه. فلا وجه إذا لقول قائل: "عني بقوله: (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، بعض الكفار دون بعض، وقد عم الله جل ثناؤه الخبر عنهم جميعهم، وإذا دخل جميعهم في ذلك، ثم لم يكن لجميعهم حالة آمنوا فيها ثم ارتدوا كافرين بعد إلا حالة واحدة، كان معلوماً أنها المرادة بذلك.

فتأويل الآية إذاً: أولئك لهم عذاب عظيم في يوم تبيض وجوه قوم وتسود وجوه آخرين (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ). فيقال: أجحدتم توحيد الله وعهده وميثاقه الذي واثقتموه عليه، بأن لا تشركوا به شيئا، وتخلصوا له العبادة ...

(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ). فمن ثبت على عهد الله وميثاقه، فلم يبدل دينه، ولم ينقلب على عقبيه بعد الإقرار: بالتوحيد، والشهادة لربه بالألوهية: وأنه لا إله غيره" (١).

وقال الإمام القرطبي - في معرض الاحتجاج على دخول جميع الأطفال الجنة إن ماتوا صغاراً -: لأن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صورة الذر أقروا بالربوبية وهو قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهُمْ (٢) وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) (٣) ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن: أقروا له بالربوبية، وأنه لا إله غيره، ثم يكتب العبد في بطن أمه شقياً أو سعيداً على الكتاب الأول، فمن كان في الكتاب الأول شقياً عُمّر حتى يجري عليه القلم فينقض الميثاق


(١) جامع البيان (٤/ ٢٧ - ٢٨).
(٢) قراءة نافع وبها كان القرطبي يقرأ.
(٣) سورة الأعراف، الآية: ١٧٢.

<<  <   >  >>