والمحبة، ويستحيل أن يكون فيها تأله غير الله لوجوه منها:
أن ذلك خلاف الواقع. ومنها: أن ذلك المخلوق ليس أولى أن يكون إلها لكل الخلق من المخلوق الآخر، ومنها: أن المشركين لم ينفقوا على إله واحد بل كل طائفة تعبد ما تستحسنه. ومنها: أن ذلك المخلوق إن كان ميتا فالحي أكمل منه؛ فيمتنع أن يكون الناس مفطورين على عبادة الميت، وإن كان حيا فهو أيضا مريد فله إله تألهه؛ وحينئذ فلزم الدور الممتنع، أو التسلسل الممتنع، فلا بد للخلق كلهم من إله يألهوه، ولا يأله هو غيره. وهذا برهان قطعي ضروري" (١) أ. هـ.
وقال ابن تيمية في معرض الاحتجاج على المشركين الجاهلين بالفطرة:
"وذلك لأنه لو قدر أنهم - أي المشركين - لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم، ووجدوا آباءهم مشركين، وهم ذرية من بعدهم، ومقتضى الطبيعة العادية: أن يحتذي الرجل حذو أبيه في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم، إذ كان هو الذي رباه، ولهذا كان أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه، فإذا كان هذا مقتضى العادة الطبيعية، ولم يكن في فطرتهم وعقولهم ما يناقض ذلك، قالوا: نحن معذورون، وآباؤنا هم الذين أشركوا، ونحن كنا ذرية لهم بعدهم، اتبعناهم بموجب الطبيعة المعتادة، ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم.
فإذا كان في فطرتهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم، كان معهم ما يبين بطلان الشرك، وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم، فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية من اتباع الآباء، كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية العقلية السابقة لهذه العادة الأبوية. كما قال - صلى الله عليه وسلم - "كل مولود يولد على
(١) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل/ ص:٣٠٦.